شئون عسكريةعاجل

حرب أكتــــوبــــر 1973 أسطـــورة الحـــرب والسلام

حرب اكتوبر 1973 العبـــــور العظيم فى ست ساعات وتحطيم خط بارليف .. مفاوضات فك الاشتباك الكيلو 101

حرب أكتــــوبــــر 1973 أسطـــورة الحـــرب والسلام

حرب أكتــــوبــــر 1973 أسطـــورة الحـــرب والسلام
حرب أكتــــوبــــر 1973 أسطـــورة الحـــرب والسلام

كتبت : منا احمد 

قال الرئيس محمدأنور السادات فى خطاب نصر اكتوبر العظيم إننا حاربنا من أجل السلام ٠٠ حاربنا من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام ، وهو السلام القائم علي العدل ، إن عدونا يتحدث أحيانا عن السلام ولكن شتان ما بين سلام العدوان وسلام العدل ، إن دافيد بن جوريون هو الذي صاغ لإسرائيل نظرية فرض السلام والسلام لا يفرض والحديث عن فرض السلام معناه التهديد بشن الحرب أو شنها فعلاً والخطأ الكبير الذي وقع في عدونا إنه تصور أن قوة الإرهاب تستطيع ضمان الأمن ولقد أثبت عملياً اليوم وفي ميدان القتال عقم هذه النظرية السلام لا يفرض وسلام الأمر الواقع لا يقوم ولا يدوم ، السلام بالعدل وحده ، والسلام ليس بالإرهاب مهما أمعن في الطغيان ومهما زين له غرور القوة أو حماقة القوة ذلك الغرور وتلك الحماقة اللتين تمادي فيها عدونا ليس فقط خلال السنوات الست الأخيرة بل خلال السنوات الخمس والعشرين ، أي منذ قامت الدولة الصهيونية باغتصاب فلسطين لعل اسرائيل تعى الدرس جيدا ان خيار مصرالاستراتيجى دائما السلام العادل لاننا لسنا دعاة ابادة كما يزعمون بأكاذيب وقصص ملفقة تم اعدادها بخطة جهنمية لتهجير الشعب الفلسطينى  من ارضه وتشتيته  الى سيناء والاردن  لتصفية القضية الفلسطينية لأن الصهيونية بدعواها العنصرية وبمنطق التوسع بالبطش ليس إلا تكراراً هزيلاً للفاشية والنازية يثير الازدراء ولا يثير الخوف ويبعث علي الاحتقارالشعوب العربية والاسلامية بل والعالم أكثر مما يبعث علي الكراهية لان العين بالعين والسن بالسن والعمق بالعمق … نحن المصريين بكل الفئات لانقبل ان يتعدى احد على ارضنا وعن سيادتنا لاننا لسنا مغامرى حرب وانما طلاب السلام العادل … مصر مقبرة الغزاة فى الماضى والحاضر والمستقبل … لعل امريكا تعرف قيمة المنطقة العربية التى تقع فى وسط العالم لان مصالحكم كلها عندنا وليست اسرائيل فعلى امريكا تفكرجيدا قبل ان تسقط فى مستنقع جديد من الوحل سيظل صفحة سوداء فى تاريخها لانه سيسقط شهداء كثيرون وحرجى ودمار وتخريب  لان واشنطن  تزود اسرائيل الان بكل الدعم اللانهائى برا وبحرا وجوا وتخصيص 10 مليارات دولار .. فقد طلب الرئيس عبد الفتاح السيسى مؤتمر سلام عالمى لحقن الدماء وعدم الانسياق وراء الافكار الهدامة التى تشعل نيران الحروب وتدمر اوطان وتشرد شعوب ..ان  السلام انشودة حياة الشعوب داخل اوطانها.

واليوم ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين نواصل تقليب صفحات خالدة فى تاريخ العسكرية المصرية سطرها ابطالنا بحروف من نور ليتسلمها جيل بعد انها حرب أكتوبر المجيدة، علامة مضيئة في تاريخ العسكرية المصرية العريقة، فقد تبارت فيها جميع التشكيلات والقيادات في أن تكون مفتاحا لنصر مبين، دفع فيه المصريين أثمانًا غاليةً من دمائهم الطاهرة، ليستردوا جزءًا غاليًا وعزيزًا من أرض الوطن، وهي سيناء.

حرب أكتوبر المجيدة لم تكن مجرد معركةٍ عسكريةٍ خاضتها مصر وحققت فيها أعظم انتصاراتها، وإنما كانت اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشعب المصري على تحويل الحلم إلى حقيقة، فلقد تحدى الجيش المصري المستحيل ذاته، وقهرهُ، وانتصر عليه، وأثبت تفوقه في أصعب اللحظات التي قد تمر على أي أمة.

فقد كان جوهر حرب أكتوبر هو الكفاح من أجل تغيير الواقع من الهزيمة إلى النصر ومن الظلام إلى النور ومن الانكسار إلى الكبرياء، فقد غيرت الحرب خريطة التوازنات الإقليمية والدولية.

مفاوضات الكيلو 101

اتفاقية فك الاشتباك الأولى (مصر إسرائيل)‏

مفاوضات الكيلو 101، هي محادثات ذات طابع عسكري جرت بين مصر وإسرائيل بإشراف الأمم المتحدة للوصول إلى تحديد خطوط وقف إطلاق النار في أعقاب حرب أكتوبر 1973 تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 338 في هذا الصدد.

كان الاتحاد السوڤيتي والولايات المتحدة قد تقدما بمشروع قرار مشترك إلى مجلس الأمن تضمن دعوة جميع الأطراف المشاركة في القتال إلى وقف إطلاق النار بصورة كاملة وإنهاء جميع الأعمال العسكرية في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار.

وقد وافق مجلس الأمن على القرار في 22 أكتوبر 1973 وصدر تحت رقم 338 فوافقت عليه مصر فور صدوره، ووافقت عليه سوريا بعد يومين (24 أكتوبر) ضمن شروط محددة كانت قد أعلنتها، في حين لم تحدد إسرائيل موقفها منه

ورغم ذلك فقد استمر وقف إطلاق النار عدة ساعات على الجبهة المصرية، ثم عادت إسرائيل إلى مواصلة عدوانها قاصفة مدينة السويس ودافعة بقوات جديدة لتعزيز قواتها في ثغرة الدفرسوار.

مذكرات أهارون ياريڤ، رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية السابق

ازاء هذا الوضع عقد مجلس الأمن اجتماعاً ثانياً في 23 أكتوبر 1973 وأصدر قراراً جديداً حمل الرقم 339 دعا فيه مجدداً إلى وقف إطلاق النار وعودة الأطراف المتحاربة إلى المواقع التي كانت تحتلها قبل 22 أكتوبر 1973. لم ترضخ إسرائيل لقرار مجلس الأمن الدولي الجديد، واستمرت في إطلاق النار والتقدم داخل الأراضي المصرية بهدف محاصرة مدينة السويس والجيش الثالث الميداني

عندها اجتمع مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة في 25 أكتوبر وأصدر قراراً ثالثاً حمل الرقم 340 كرر فيه دعوته لوقف النار فوراً، وقرر إنشاء قوة طوارئ تابعة للأمم المتحدة مؤلفة من أفراد تقدمهم الدول الأعضاء في المنظمة الدولية باستثناء الدول التي تمتتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن

إثر صدور هذا القرار توقف إطلاق النار على الجبهة المصرية، فدعا الجنرال إنزيو سيلاسڤو قائد قوة الطوارئ الدولية مصر وإسرائيل إلى عقد اجتماع يبحث في الترتيبات اللازمة لوقف إطلاق النار

 عقد الاجتماع الأول في خيمة تابعة للأمم المتحدة نصبت عند الكيلو 101 على طريق القاهرةالسويس. وقد تم بإشراف الجنرال أنزيو سيلاسفيو ممثلاً للأمم المتحدة، وحضور وفد مصري برئاسة الفريق محمد عبد الغني الجمسي، ووفد إسرائيلي برئاسة الجنرال أهارون ياريف

مفاوضات الكيلو 101 - المعرفة

تركزت النقاشات خلال الاجتماع الذي استمر طوال ليلة 28 أكتوبرعلى المسائل التالية:

 وضع الأسرى وجرحى الطرفين

تزويد مدينة السويس والجيش المصري الثالث بالمواد الغذائية وماء الشرب

تحديد المواقع التي يمكن أن ترابط فيها قوات الطوارئ الدولية

رسم خطوط 22 أكتوبر لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي

اللواء الجمسى بعد اعتزاله للحياة العسكرية ظل مراقبا ومحللا للوضع المشتعل، مؤمنا بأن أكتوبر ليست نهاية الحروب، وأن حربا أخرى قادمة لا محالة؛ لأن مواجهة مصيرية لا بد أن تقع، وأن الانتفاضة الفلسطينية هي السلاح الأفضل والأنجع حاليا لضرب العدو الصهيوني، ولا بد من تدعيمها.

نص الاتفاق

فيما يلي نص الاتفاق الذي تم التوقيع عليه في مفاوضات الكيلو 101، والذي كشفت عنه الخارجية البريطانية في يناير 2005

«أ- ستراعي مصر واسرائيل بدقة وقف اطلاق النار في البر، البحر والجو، الذي دعا إليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وستمتنعان منذ توقيع هذه الوثيقة عن جميع الاعمال العسكرية وشبه العسكرية كل طرف منهما ضد الآخر.

ب- سيتم فصل القوات العسكرية المصرية والاسرائيلية، بحسب المبادئ التالية:

1- جميع القوات المصرية إلى الجانب الشرقي من القناة سيتم نشرها غربي الخط الذي سيتم تعريفه بالخط أ على الخريطة المرفقة. كل القوات الإسرائيلية، بما في ذلك تلك الموجودة إلى الغرب من قناة السويس والبحيرات المرة، سيتم نشرها إلى الشرق من الخط الذي سيتم تعريفه باعتباره الخط ب على الخريطة المرفقة.

2- المنطقة بين الخطين المصري والإسرائيلي ستكون منطقة فض اشتباك سيتم حشد قوة الطواريء التابعة للأمم المتحدة فيها. وستستمر هذه القوة في التشكل من وحدات من البلاد التي ليست أعضاء دائمة في مجلس الأمن الدولي.

3- المنطقة بين الخط المصري وقناة السويس ستكون محدودة فيما يتعلق بالأسلحة والقوات

4 – المنطقة الواقعة بين الخط الإسرائيلي (الخط ب على الخريطة المرفقة) والخط الذي سيتم تعريفه بالخط ج على الخريطة المرفقة والذي يمتد على طول قاعدة الجبال، حيث يقع ممرا الجدي وتيلا، ستكون محدودة فيما يتعلق بالأسلحة والقوات.

5 -الضوابط المشار إليها في الفقرة 3 والفقرة 4 سيتم تفقدها من قبل قوة الطواريء التابعة للأمم المتحدة. وسيتم الاستمرار في العمل بالاجراءات القائمة التي درجت عليها قوة الطواريء التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك الحاق ضباط اتصال مصريين وإسرائيليين على قوة الطواريء التابعة للأمم المتحدة.

ج- سيتم التوصل إلى التنفيذ التفصيلي للفصل بين القوات من قبل ممثلين لمصر وإسرائيل، والذين سيوافقون على مراحل هذه العملية. وهؤلاء الممثلون في وقت لن يتأخر عن 48 ساعة من توقيع هذا الاتفاق عند الكيلو 101 تحت اشراف الأمم المتحدة لهذا الغرض. وسيكملون هذه المهمة في غضون خمسة أيام. وسيبدأ فض الاشتباك خلال 48 ساعة بعد اكمال عمل الممثلين العسكريين، ولن يتأخر بأي حال عن سبعة أيام بعد التوقيع على هذا الاتفاق. وسيتم اكمال عملية فض الاشتباك في وقت لن يتأخر عن 40 يوماً من بدايته.

د- لا تنظر مصر وإسرائيل إلى هذا الاتفاق باعتباره اتفاق سلام نهائياً. وهو يشكل خطوة أولى نحو سلام نهائي، عادل ودائم، وفقا لبنود قرار مجلس الأمن رقم 338 وفي اطار مؤتمر جنيف

قرر السادات تعيين اللواء عبد الغني الجمسي (رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة) ممثلا لمصر في مفاوضات الكيلو 101، وقد أوضح الجمسي أنه لا يرغب في تنفيذ هذه المهمة حيث أنه أمضى حياته العسكرية كلها في حرب ضد إسرائيل، إلا أن كان رأي السادات أن الجمسي بحكم عمله رئيسا لهيئة العمليات يلم بأوضاع القوات المصرية وقوات العدو في الجبهة وأنه أنسب من يمثل مصر في هذه المباحثات

اتفاقية فك الاشتباك الأولى (مصر إسرائيل) - ويكيبيديا

الاجتماع الأول

أقيم أول اجتماع في الساعة 1.30 صباحا يوم 28 مارس 1974، وتم النشر عن هذا الإجتماع في الجرائد وكان هذا أول ظهور أسم الجمسي إعلاميا في الجرائد. كان الوصول إلى مكان الاجتماع مليء بالمخاطر، كان الجنود المصريون في الخطوط الأمامية يعترضون الوفد المصري ويشهرون أسلحتهم ويسألون عن أسباب المرور في اتجاه العدو، وكان الجمسي يصرح لكل حارس في كل موقع (كلمة سر الليل) للوحدة وكان يحدد له اسم وحدته واسم قائده، عند وصول الوفد المصري لمكان الإجتماع اصطف الضباط الإسرائيليون برئاسة الجنرال أهارون ياريف وقاموا بتأدية التحية العسكرية وقام الوفد المصري برد التحية للجانب الإسرائيلي، وكانت تعليمات الجمسي لأعضاء الوفد المصري ألا يبدأوا التحية للجانب الإسرائيلي لأنهم الجانب المنتصر في الحرب. وبدا الرجل مفاوضا صلبا مثلما كان عسكريا صلبا، بعد سبعة إجتماعات مع الجانب الإسرائيلي طلب الجمسي وقف الإجتماعات لأنها لم تعد مجدية ووصلت إلي طريق مسدود ولم تحقق نتائج إيجابية عن فك الاشتباك والفصل بين القوات للخلاف الجوهري بين وجهة النظر المصرية والإسرائيلية، وتوقفت هذه المباحثات

الاجتماع الثاني

حتى جاءت أصعب لحظات عاشها الفريق في حياته كلها، لحظات دفعته -لأول مرة في حياته العسكرية- لأن يبكي! كان ذلك في يناير 1974 عند أستكمال المباحثات في أسوان عندما جلس أمامه وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر ليخبره بموافقة الرئيس السادات على انسحاب أكثر من 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من الضفة الشرقية لقناة السويس وتخفيض القوات المصرية في سيناء الي 7000 رجل و 30دبابة! فرفض الجمسي ذلك بشدة، وسارع بالاتصال بالسادات الذي ما كان منه إلا أن أكد موافقته؛ ليعود الجمسى إلى مائدة المفاوضات لانه الجنرال الذي كثيرا ما أسرّ له القادة الإسرائيليون بأنهم يخشونه أكثر مما يخشون غيره من القادة العسكريين العرب.

حديث صحفي خاص للمشير أحمد إسماعيل حول حرب أكتوبر، القاهرة في 4 أكتوبر 1974  بجريدة الأهرام، العدد الصادر في 4 أكتوبر 1974

في الواقع وأنا في الخارج للعلاج قابلت كتاباً وصحفيين منهم رؤساء تحرير صحف عربية واطلعت على كتب لا حصر لها نشرت عن المعركة باللغات الأجنبية.. كما لاحظت أن الوفود التي تصلنا اليوم بدأ تفكيرها يأخذ اتجاهاً معيناً بسبب الكتب التي تصدر محرفة من الغرب وغير الدقيقة في تناولها للحقائق، كل هذه الأشياء أدت بنا أن نفكر ونبحث هل هناك خطأ ما تسبب في ذلك.. هل خطأ القوات المسلحة أم خطأ الصحافة؟ المطلوب الآن أن يعرف العالم المعركة حقيقتها إيه.. لا نذكر غير الحقائق لا نريد قلب الأوضاع.. لقد دخلنا معركة سياسية وعسكرية واقتصادية وبذلنا جهداً.. فكيف يصل صوتنا إلى العالم وهذا هو موضوع حديثي معكم.. كيف يصل صوت مصر، صوت الحق إلى الخارج.. الحقيقة أي صحفي يصل مصر أقابله ويزور أرض المعركة ويقتنع ولست أعرف ما يكتبه عن المعركة بعد سفره

لقد لاحظت أن هناك رؤساء تحرير عرباً ليس لديهم المعلومات الحقيقية عن القوات المسلحة.. لم يزود بأي معلومات، هناك كتب كثيرة صدرت عن المعركة ولم تترجم لكي توجه للخارج لكي تعرف الحقيقة الكاملة المشرفة

لقد طبقنا مبادئ الحرب وخططنا للمعركة وللأسف كان هناك مؤتمر دولي لدراسة النتائج العسكرية والسياسية للمعركة وكانت مصر غائبة عن المؤتمر

س – ماذا كانت الفكرة المحورية في وضع خطة حرب أكتوبر 1973؟

ج – كانت إسرائيل، خلال السنوات السبع الماضية، لا تتكلم عن شيء إلا عن الحدود الآمنة ونظرية الحدود الآمنة، كأنها اخترعت موضوعاً جديداً. واستمرت تقنع العالم بهذه النظرية وبكثرة ترديدها لها، وأصدرت بشأنها كتباً ملأت بها الدنيا.

لذلك، كان طبيعياً أن يكون أول هدف سياسي استراتيجي لأي عمليات للقوات المسلحة المصرية هو إثبات فشل هذه النظرية، وأن هذه النظرية ما هي إلا وسيلة للتمسك بالأراضي المحتلة. لذلك، كان الهدف السياسي الاستراتيجي الذي كلفت به القوات المسلحة من الرئيس هو إثبات فشل نظرية الأمن الإسرائيلية التي تعتمد على الحدود الآمنة

وعلى ضوء هذا الهدف، وصلنا إلى أن تحقيقه يتطلب من القوات المسلحة: هزيمة قوات العدو الإسرائيلي في سيناء والهضبة السورية، والاستيلاء على مناطق ذات أهمية استراتيجية تهيئ الظروف المناسبة لاستكمال تحريرالأراضي المحتلة بالقوة، لفرض الحل السياسي العادل للمشكلة

وبناء على هذا الهدف الواضح، كان على القيادة المصرية أن تخطط للقيام بعمليات هجومية استراتيجية مشتركة، تنفذ بالتعاون مع القوات المسلحة السورية وتقوم فيها مصر بالاقتحام المباشر لقناة السويس، وتدمير خط بار-ليف، والاستيلاء على “رؤوس كباري” بعمق 10 – 15 كيلومتراً على الضفة الشرقية للقناة، وتكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة، وصد وتدمير هجمات العدو المضادة، وتطوير الهجوم شرقاً لتحقيق مهمة القوات المسلحة

 وقد تحقق هذا الهدف كاملاً. لقد ثبت لإسرائيل والعالم أن نظريتها في الحدود الآمنة باطلة. وبالتالي، انكشفت حجتها في الاستيلاء على الأراضي المصرية والعربية بالقوة، وانكشفت رغبتها الحقيقية في التوسع والضم. وكما قال مؤلف أجنبي: إن إسرائيل انتصرت سنة 1967 من حدود غير آمنة، وهزمت سنة 1973 من حدود آمنة!

س – ولكن إسرائيل خرجت ولا شك من الحرب بدروس كثيرة، وهذا ما تقوله علناً. فهي، مثلا، تنمي جيشها النظامي لأن الاحتياطي ثبت عدم فعاليته بنفس الدرجة، وغير ذلك. فهل نستعد بنفس الدرجة للمعركة المقبلة إذا فرضتها الظروف؟ خصوصاً وأن عنصر المفاجأة لن يتكرر لأحد الطرفين؟

ج – بالنسبة لنا، لقد خرجنا من المعركة أحسن وأكفأ مما دخلنا، من حيث النوع والخبرة والمعنويات والتدريب، واستفدنا من خبرة حرب أكتوبر استفادة كاملة..

ولا شك أن المعركة القادمة، إذا قدر لنا أن نقوم بها، ستكون مختلفة تماماً عن الحرب السابقة. ستكون بمفهوم جديد، وبتفكير جديد، وبتخطيط علمي جديد مدروس لكل الاحتمالات المقبلة بنفس روح أكتوبر العظيمة.

أما بالنسبة لعنصر المفاجأة، فإنني أعدكم أن نحصل عليها أيضاً مرة أخرى. فهناك وسائل شتى للحصول عليها، إذ أنها ليست نمطية. واستعدادنا، انتظاراً لأي حرب قادمة، يسير اليوم في مجالات متعددة، منها إعداد القوات بتدريبات جيدة، ورفع الكفاءة الفنية للمعدات، وتطوير قواتنا المسلحة بوجه عام

س – وجغرافياً واستراتيجياً، هل نحن في وضع أفضل الآن أم أقل؟

ج – أؤكد أننا في وضع أفضل بما لا يقاس. فلنا الآن اتصال بري مع العدو، ولا يوجد بيننا وبينه مانع مائي، أو خط بار-ليف. ولا أعني بذلك أننا لا نحافظ على كلمتنا في فصل القوات وانتظار محادثات جنيف والاستعداد لها. وقد تختلف الوسائل والخطط، ولكن لكل مشكلة حلها. إننا نعرف سيناء شبراً شبراً، فهي أرضنا الحبيبة.

س – إن السؤال الذي ما زال يتردد بعد سنة من الحرب، هو قصة الثغرة. وإسرائيل تحاول إعلامياً أن تضخمها. ولكننا نعرف أن كيسنجر جاء مسرعاً إلى أسوان يعرض فصل القوات عندما تأكد لأميركا أننا على وشك القتال من جديد لتصفية الجيب الإسرائيلي. ما هي القصة كاملة؟

ج – أود، أولا، أن أذكر بتسلسل الأحداث منذ بداية حرب أكتوبر بشكل مختصر جداً، ولكنني أجده لازماً قبل أن أشرح بعض التفاصيل عن جيب الدفرسوار والخطط التي كانت موضوعة لتدميره

 نذكر أن الجيشين الثاني والثالث على مواجهة 175 كم، تمكنا من اقتحام قناة السويس، والاستيلاء على خط بارليف بالكامل، وإنشاء خمسة “رؤوس كباري” بخمس فرق. ثم وحدت الجيوش رؤوس كباري الفرق في رأس كوبري لكل جيش، وصدت جميع هجمات العدو المضادة وبلا استثناء، وكبدته خسائر جسيمة.

وبعد أن حققنا أهداف هذه المرحلة، وهي الاستيلاء على خط بارليف وإحداث أكبر خسائر للعدو في قوته البشرية وأسلحته ومعداته، وبالنسبة لظروف القتال في سورية في ذلك الوقت، وجد من المناسب الضغط شرقاً على طول المواجهة لجذب احتياطي العدو، سواء طيرانه أو مدرعاته، من جبهة سورية تجاه الجبهة المصرية واكتساب مزيد من الأرض.

وفعلا، تم خلال يوم 14 أكتوبر 1973 هذا التطوير الذي وإن لم يحقق أهدافه كاملة إلا أنه حقق الأهداف الرئيسية منه، وهي:

1 -تخفيف الضغط على سورية لسحب طيران العدو ومدرعاته من الجبهة السورية تجاه الجبهة المصرية.

2 -إحداث خسائر فادحة للعدو، وبصفة خاصة في مدرعاته، في معارك كبرى اشتركت فيها من الجانبين أكثر من 1500 مدرعة ..اكتسابنا مزيدا من الارض

وبسحب العدو لطيرانه ومدرعاته من جبهة سورية وجد العدو أن الحل الأنسب له التركيز بكل قواته وفي اتجاه واحد لإحداث أي اختراق في مواجهتنا والعبور إلى الغرب تحت ستار وقف إطلاق النار المتوقع في ذلك الحين في أي وقت، والذي كانت القوى الكبرى تحاول بكل ثقلها تنفيذه، وخصوصاً أن الولايات المتحدة بدأت ترسل دعمها يوم 9، وبدأت آثار الدعم تظهر في خط القتال من يوم 11

وقام العدو، ليلة 15/ 16 أكتوبر، بعد هجوم مركز على الجانب الأيسر للفرقة 16 من الجيش الثاني، باستغلال هذا الهجوم، وعبر في منطقة الدفرسوار بقوة من المظلات وسبع دبابات زادت إلى 30 دبابة، مستغلا طبيعة الأرض من المناطق المزروعة والمباني المهدمة في اختفاء دباباته والقتال في الدفرسوار. ثم دارت معارك طاحنة شرق وغرب الدفرسوار بين قواتنا وقوات العدو، وتكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة إلا أن خسائر إسرائيل، باعترافهم واعتراف أميركا في هذه المنطقة، كانت من الفداحة حتى أن إسرائيل قررت وقف هذه العملية في مرحلة معينة.

ولا أفشي لك سراً إن قلت أن هذه الثغرة كدنا نقفلها تماماً في المراحل الأولى لها بواسطة قواتنا

 وفي الوقت نفسه، فشلت هجمات العدو المضادة تماماً على طول مواجهة الجيشين في الشرق بقصد فتح ثغرات أخرى في أماكن أخرى، وفشلت في جميع الأماكن عدا الدفرسوار

وأريد أن أنوه هنا أنه بنهاية يوم 22 أكتوبر 1973، وعند تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 338 بوقف إطلاق النار، كان جيب العدو غرب القناة لا يزيد في حجمه عن نصف رأس كوبري واحد لإحدى فرقنا الخمس شرق القناة، وأنه استنفد ستة أيام من القتال الرهيب، استخدمنا فيه كل قواتنا الجوية وكل أنواع الصواريخ والمدفعية.

ثم استمر العدو، وتحت ستار وقف إطلاق النار، في التوسع جنوباً ليحول مغامرته المحفوفة بالخطر إلى وضع أكثر أمناً لقواته. وفي الوقت نفسه، كان يريد قطع خطوط إمداد فرقتين من الجيش الثالث موجودتين شرق القناة، وذلك للمساومة بهذا الوضع، واضعاً في اعتباره أن الذي يؤمنه، أولا وأخيراً، هو قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار وليس قوته من الناحية العسكرية، حيث كان وضعه حرجاً للغاية غرب القناة، خصوصاً بعد فشله في اقتحام مدينة السويس الباسلة

س – هل يمكن ذكر حجم قوات العدو في هذا الجيب، وما هي الخطة التي وضعت لتدميره، وهل كانت قواتنا المتوافرة وقتها كافية لتنفيذ هذه الخطة؟

ج – لقد وجد العدو أن موقفه في الغرب حرج وضعيف، لذلك دعم قواته في الجيب حتى وصل حجم قواته في النهاية إلى 7 لواءات، تشمل حوالي 550 دبابة. وكان تنظيمه لقواته يبين تماماً أنه كان في وضع الدفاع لا الهجوم. كما رص أمامه 750 ألف لغم رفعناها بعد ذلك، وهي في حوزتنا سليمة الآن. ومن هذا يمكن أن تقدر مدى قلقه.

أما بالنسبة لقواتنا، فقد تم احتواء العدو بالكامل، وأحيط بالقوات من كل جانب ومن كافة الاتجاهات، عدا ممر ضيق جداً في الدفرسوار بعرض 6 كيلومترات

  وفي الواقع إن وقف إطلاق النار الفعلي كان الساعة 11 ظهر يوم 28/ 10/ 1973 – وأصدرت أوامري ببدء حرب استنزاف جديدة اعتباراً من يوم 31/ 10/ 73، أي بعد يومين من وقف إطلاق النار. ولك أن تسأل نفسك، لو أننا كنا في موقف الضعف، هل كان ممكناً أن أصدر هذا الأمر بعد يومين من وقف إطلاق النار بكل احتمالاته؟

لقد كانت حرب استنزاف غير معلنة من جانبنا، اكتفاء بما كانت تعلنه بلاغات العدو وتقارير الأمم المتحدة

وكانت أهداف حرب الاستنزاف غير المعلنة هذه، هي:

إحداث أكبر خسائر في العدو في قواته البشرية ومعداته وأسلحته، وأن يصبح وضعه في الجيب غير محتمل مع استمراره في تعبئة الاحتياطي، وهو ما لا يمكن للعدو أن يتحمله مدة طويلة.

– عدم تمكينه من تثبيت اقدامه بتدمير تجهيزاته الهندسية ومعداته التي تظهر في المنطقة

اكتساب مزيد من الأرض شرقاً وغرباً

ويمكن أن يوضح البيان التالي لك مدى نشاط قواتنا المسلحة في الفترة من 31/ 10/ 1973 إلى 18/ 1/ 1974، أي يوم توقيع اتفاقية فصل القوات.

لقد نفذنا، طبقاً لبيانات العدو، 439 عملية، منها 93 في شهر نوفمبر 73، 213 في شهر ديسمبر73، 133 في شهر يناير 1974.

كما أسفرت هذه العمليات، طبقاً لبلاغات هيئة الرقابة الدولية وبلاغات القوات الإسرائيلية نفسها، عن الخسائر الآتية في العدو:

11 طائرة

41 دبابة ومدرعة

10 رشاشات ثقيلة

“36 بلدوزر” ومعدة هندسية ومركبة

إصابة ناقلة البترول (سيرينا) الإسرائيلية

إغراق زورق إنزال بحري

قتل 187 فرداً للعدو

علاوة على عدد الجرحى والذي يمكن تقديره بأضعاف خسائره في الأرواح

وللقارئ أن يستنتج أن الخسائر أضعاف ذلك بكثير، إذا كانت هذه بيانات العدو

كما أؤكد لك، وقبل أن أدخل في شرح التخطيط لعملية تصفية الجيب، أن الفرقتين 7 و 19 مشاة من الجيش الثالث (قوات بدر) الموجودتين شرق القناة ومدينة السويس، كان لديهما كل احتياجاتهما من الذخيرة والوقود والمياه والتعيينات التي تسمح لهما ليس بالصمود فقط بل بالاشتراك في الهجوم الذي كان مرسوماً. كما استمر إمداد هاتين الفرقتين بشتى الوسائل حتى قبل إشراف الأمم المتحدة على هذا الإمداد.

ن التخطيط لتدمير العدو في هذا الجيب، فأود أن أوضح لك أولا أن نقط ضعف الجيب كانت أساساً: عنقها الضيق (6 كيلومترات فقط) وحجمها الذي يشبه “القنينة” بحيث يمكن تقطيعه، أنه كان بعيداً جداً عن خطوط تموينه وإمداداته. وأن قواتنا القريبة من تموينها وإمدادها كانت تفوقها عدداً وعدة وتحيط بها من كل جانب.

ولقد بدأ وضع خطة تصفية الجيب يوم 29/ 10/ 1973، أي بعد وقف إطلاق النار بأقل من 24 ساعة، وبعد أن تم احتواء العدو بالكامل ومن كل جانب. وجدير بالذكر هنا أن القوات التي احتوت الجيب، من يوم 16 أكتوبر حتى وقف إطلاق النار، كانت ضخمة، وأن العدو لم يتصور أن لدينا هذه القوات، فأذاع أننا دفعنا بالجيش الأول من القاهرة إلى الجبهة. وكان تقديري ضرورة تعيين قيادة واحدة وقائد واحد لتدمير هذا الجيب بالكامل، وعينت قائداً واحداً هو اللواء سعد مأمون، مساعد وزير الحربية حالياً والذي كان قائداً للجيش الثاني في معارك أكتوبر

وقد عرضت على السيد الرئيس السادات، القائد الأعلى للقوات المسلحة، الخطة، وصدق عليها سيادته في اجتماع للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بالقناطر يوم 24/ 12/ 1973

وقد خصص لتنفيذ هذه العملية 5 فرق، منها فرقتان مدرعتان، و3 فرق ميكانيكية، علاوة على احتياطي القيادة العامة.

وتوضح الخريطة كيف كان سيتم تدمير العدو من جميع الاتجاهات مع إقفال ممر العدو في الدفرسوار الذي لا يزيد عرضه على 6 كم، والوصول إلى السويس بأسرع ما يمكن.

وفي الوقت نفسه يتم تصفية الجيب بتقسيمه إلى جيوب فرعية، وتدميرها جزءاً جزءاً، وذلك بخمس فرق مدرعة وميكانيكية في خمسة اتجاهات كما هو واضح

أما القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي والبحرية والصاعقة المظلات، فكانت ستدعم أعمال القوات البرية بخطة نسقت تنسيقاً بالغ الدقة.

ومن الطبيعي أن خطة تدمير الجيب غرب القناة كانت لن تكتفي بالعمليات غرب القناة بل كانت قواتنا شرق القناة، وهي خمس فرق مشاة مدعمة، ستشترك في عمليات هجومية ليس من الصالح العام ذكرها الآن.

هكذا ترى أن القتال لم يهدأ لحظة واحدة، واستمر بعد وقفت إطلاق النار، وحتى توقيع اتفاقية الفصل بين القوات. وأنه تم التخطيط والإعداد في صمت وسرية للقضاء على الجيب غرب القناة، وتم التنسيق الكامل بين مختلف الأسلحة وتنظيم التعاون بين الأفرع الرئيسية والقوات البرية طبقاً لما أسفرت عنه خبرة القتال المكتسبة من حرب أكتوبر مستغلين نقط ضعف العدو في هذا الجيب أفضل استغلال. وهذا ما أجبر العدو على الانسحاب لتأكده من أن الموقف ليس في صالحه، وإلا ما كان لينسحب ويترك موقعه على الضفة الغربية مطلقاً

س – سمع الناس كثيراً تعبير إعداد الدولة للمعركة، فما هو بالضبط؟ وما الجديد فيه؟

ج – لأول مرة، وبإرشاد من السيد الرئيس، تم ما يسمى بإعداد الدولة للحرب، وكان لسيادته الفضل الأول في هذا الموضوع

ولقد كان للتنسيق بين القوات المسلحة وأجهز الدولة المعنية قبل المعركة بوقت طويل فيما يتعلق بإعداد الدولة للحرب، أثره الفعال عند إدارة العمليات الحربية. وعلى سبيل المثال، فقد تم الآتي:

التنسيق مع أجهزة الإعلام ووزارة الخارجية فيما يتعلق بخطة الخداع الاستراتيجي التعبوي

التنسيق مع وزارة البترول فيما يتعلق بحجم الاحتياطي من البترول ومدة كفايته، ووضع الخطط البديلة لاستمرار

إمدادات البترول الخارجية في حالة توقف المصادر المحلية

التنسيق مع وزارة التموين فيما يختص بالاحتياجات الإدارية اللازمة للقوات المسلحة

إنشاء مراكز القيادة اللازمة للوزارات المختلفة والتي تعمل منها أثناء إدارة العمليات الحربية، وربطها بجهاز القيادة العامة للقوات المسلحة

إلمام الوزارات المختلفة بأعمال العدو المحتملة وتصورات المعركة القادمة، ودراسة ردود الفعل المحتملة لدى أجهزة الدولة، مع دراسة أسلحة العدو وإمكانياتها ومدى تأثيرها على المنشآت الحيوية بلجان قامت بالمرور على الوزارات. علاوة على الجهود الذاتية الجبارة التي قامت بها الوزارات، كل في اختصاصها .

س – ما هو رأي العسكرية المصرية في تصرف إسرائيل العسكري إزاء هجومنا. لقد حاكموا أنفسهم في تحقيق لجنة اغرانات، لكنهم حاولوا أن يصوروا الهزيمة على أنها أفكار فردية ومصادفات. فأين أخطأوا في رأيك، وأين أصابوا؟

 ج – وضعت إسرائيل في تقديرها السياسي الاستراتيجي، أنه من المستحيل على مصر أو مصر وسورية أن تشنا حرباً، معتمدة في ذلك على تصورها أن جيشها فعلا لا يقهر، وأنه ما من حاكم مصري يمكنه أن يتخذ قرار حرب في الوقت الذي يمكن أن يتعرض فيه عمق الدولة المصرية لضربات ردع قوية، وكانت أسيرة هذا التقدير في كل تصرفاتها.

إلا أنه من الناحية السياسية، كان لسوء حظها إن وجد هذا الرئيس القائد الأعلى للقوات المسلحة الذي قرر الحرب واتخذ القرار.

أما من الناحية العسكرية، فكانت إسرائيل تبني استراتيجيتها على نظرية الأمن الإسرائيلية. وهذه النظرية كانت مبنية، في تصوري، على الأسس التالية:

اعتمادها على مخابرات على درجة عالية من الكفاءة ومن أرقى المخابرات في العالم، كما كانت تعاونها المخابرات الأميركية

حدود آمنة بعيدة عن قلب إسرائيل، والكثافة السكانية بالاحتفاظ بخط قناة السويس ومرتفعات الجولان التي استولت عليها عام 1967

كفاءة عالية في تعبئة الاحتياط والذي كانت إسرائيل تبني على هذه السرعة أسس تكوين جيشها من جعل القوة الصغرى هي القوة النظامية، والقوة الكبرى هي القوة الاحتياط، معتمدة في ذلك، كما قلت، على اطمئنانها التام أنه خلال 48 ساعة يمكن أن تعبئ قواتها المسلحة بالكامل

تفوق جوي وقوة ردع بالطيران بنوعيات طائراتها ومداها، وأن في هذه القوة الجوية من الضمانات التي تجعل كلا من مصر وسورية لا يمكن أن تفكر في شن أي هجوم عليها، خوفاً ليس فقط على إبادة قواتها المسلحة بل على عمق الدولة فى مصروكذلك سوريا

اعتماد مطلق على قواتها المدرعة وكفاءتها بالتعاون مع طيرانها القوي في شن ضربات عنيفة في الأرض الصحراوية المفتوحة ضد أي قوات يمكن أن تعبر قناة السويس. فما بالنا، في تصورهم، إذا اعتمدت هذه الضربات المضادة على خط بارليف الحصين المنشأ على أخطر وأمنع مانع مائي صناعي في التاريخ

اعتماد إسرائيل على أنه لا يمكن أن تشترك أي دولة عربية مع الأخرى في أي حرب، لذا، كانت إسرائيل تضع في اعتبارها العمل ضد كل جبهة منفصلة

كما كانت إسرائيل تعتمد على أمرين آخرين، وهما اعتمادها دائماً على دولة عظمى. وفي السنوات الأخيرة، كانت تعتمد اعتماداً كلياً على أميركا، وهو ما ثبتت صحته في هذه الحرب، ثم تفضيلها الدائم لأن تكون الحرب قصيرة وخاطفة.

لذلك، فإن الخطوط الرئيسية لخطط إسرائيل كانت تبنى على أساس الاحتفاظ بخط قناة السويس الذي حصنته بقلاع بارليف وشرم الشيخ، التي تؤمن ملاحتها، والتمسك بمرتفعات الجولان السوري، واعتمادها الكامل على خطط التعبئة والتفوق الجوي والمدرعات

وقد درسنا وحللنا هذا تماماً، ووضعنا خططنا التي كانت تهدف أساساً إلى التقليل من نقاط قوة العدو والاستفادة من نقط قوتنا، واستغلال نقط ضعف العدو والتقليل من نقط ضعفنا – طبقاً لإمكانياتنا المتاحة – وهذا التحليل العميق يوصلنا إلى النتائج الآتية.

أولا: وضح تماماً أن مخابراتها فشلت تماماً في فهم كل ما تم قيامنا به من إجراءات خداعية على كافة المستويات، علاوة على كفاءتنا الحقيقية في تخطيط وتنفيذ خطط الخداع الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي والتي أدى هذا الفشل إلى تحقيقنا للمفاجأة، مما أدى إلى عدم إمكانية تنفيذ التعبئة في الوقت المناسب. ورغم أن إسرائيل قد أمرت بالتعبئة فعلا يوم 5/ 10، إلا أن هذا القرار كان متأخراً

ثانياً: كذلك لم تتمكن من القيام بالحرب الوقائية، بأن تكون البادئة بضربة إجهاض لتحضيراتنا، ولأول مرة أخذنا في يدنا زمام المبادأة

ثالثاً: ثبت أن هناك أوجه قصور كثيرة في تنفيذ التعبئة، ولم تسركما هو مخطط لها رغم تصورهم أن نظام تعبئتهم من أفضل الأنظمة في العالم

رابعاً: أما بالنسبة لتفوقه الجوي، واعتماده عليه كقوة ردع، فلقد فوجئ العدو بأنه أمكن لمصر أن تسقط طائراته بالعشرات كل يوم، حتى أنه خسر 75 طائرة في اليوم الأول للقتال وتساقطت كالفراش، معتمدين في مصر على خطة ذكية، وهي أنه يمكن تحييد القوات الجوية بإنشاء شبكة دفاع جوي متكاملة بالتعاون الكامل مع المقاتلات. ولم يأت ذلك جزافاً، بل جاء نتيجة دراسة عميقة وتجربة كبيرة في حرب الاستنزاف

ولقد فوجئ العدو فعلا بهذه النظرية الجديدة في الحرب ضد الطائرات، ولم يتصور أن مصر يمكنها أن تقوم بمثل هذا العمل

أما عن استخدام قواته الجوية كقوة ردع في عمق الدولة، فأعتقد أنكم توافقونني على أن تقديره كان خاطئاً، بدليل أنه لم يحاول ضرب العمق، لأنه كما قال السيد الرئيس “العمق بالعمق”، وكنا جاهزين للتنفيذ إذا أمرنا بذلك

أما عن كفاءة قواته المدرعة، وقوله المأثور في إسرائيل كشعار (الفخر كل الفخر للمدرعات)، فإن ما حدث لمدرعات إسرائيل في هذه الحرب قد فاجأها، بل وفاجأ العالم كله، ولو أنني لا أنقص من قدر المدرعات مطلقاً، إلا أنه ثبت أن فرد المشاة الشجاع المسلح بالأسلحة المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للدبابات، يمكن أن يقلب سيادة المدرعات رأساً على عقب في مواقف معينة. فلقد فشل العدو، ولم يمكنه فرد المشاة الشجاع من استخدام قواته المدرعة في الآتي، على سبيل المثال

لم يقم بالفتح التعبوي أوالتكتيكي في الوقت المناسب، وبالتبعية لم يحتل الساتر الترابي الذي كان مجهزاً به موقع لكل دبابة، بين الواحدة والأخرى 150 متراً، على مدى 175 كم بطول قناة السويس

هاجمت قواتنا المسلحة على مواجهة تقدر بـ 175 كم، وأجبرناه على تشتيت جهود مدرعاته في كل اتجاه وبأعداد قليلة، مما سهل تدميرها جزءاً جزءاً

 لم يستوعب درس قتال اليوم الأول أو الثاني بسرعة كافية من ذهول المفاجأة، مما جعله مستمراً في قيامه بهجمات مضادة بالشكل النمطي، مما أدخله في نطاق ما أطلق على أسلوبنا المبتكر هذا بمفرمة اللحم وهو تدمير جميع دباباته في هجماته المضادة المتكررة

أما فيما يختص باعتماده على حرب قصيرة، فلأول مرة تعتبر حربنا – نسبياً – ليست بحرب قصيرة، وتكبد فيها خسائر فادحة.

وأصل إلى قمة فشله في هذه المعركة، والتي أجلت الحديث فيها إلى آخر الحديث، وهو ما أظنكم توافقونني، والعالم كله يوافقني، أن نظرية الأمن الإسرائيلية ثبت فشلها. فلا احتفاظه بشرم الشيخ منعنا من إقفال الملاحة الإسرائيلية في باب المندب، ولا احتلاله للمانع المائي بحصون خط بارليف منعنا من اقتحامه والاستيلاء عليه. لقد نجحت إسرائيل في شيء واحد، هو اعتمادها على دولة عظمى. نعم

وأعتقد أنه لولا التدخل الأميركي لأصيبت إسرائيل بهزيمة نهائية

 س – واستطراداً لنفس السؤال، هل درسنا نفسية الأسرى الإسرائيليين الذين أتيح لنا أسرهم بهذه الأعداد لأول مرة، واستخلصنا فكرة وسمة العسكرية الإسرائيلية؟ (سيتم حذف هذغا السؤال)

ج – نعم. درست القوات المسلحة نفسية وسمات الجنود الإسرائيليين الأسرى في حرب أكتوبر سنة 1973

وخرجت باستنتاجات كثيرة، منها، على سبيل المثال وليس الحصر

1 – معظم جنود الرتب الصغيرة من اليهود الشرقيين (85 %)والرتب الكبيرة مقصورة على الغربيين

2- معظمهم يقع تحت أوهام الدعاية الإسرائيلية الداخلية. مثلا، يصورون لهم مشكلة فلسطين، بأنه حدث تبادل بشري بين الدول العربية وإسرائيل، ولا يوجد يهود في مصر، بل أن مصر شردتهم وحطمت معابدهم

وعندما زار عساف ياجوري أسراً مصرية يهودية في الزمالك والمعبد اليهودي، فإنه قال بالحرف الواحد: لقد وقعنا تحت وهم المؤسسة العسكرية في إسرائيل لأكثر من 20 عاما، وعندما سأعود سأبصق في وجه دايان وأمثاله

3 – معظم القادة والجنود من الاحتياط (4 من خمسة)، ويكرهون الحرب، ويفضلون وظائفهم المدنية عليها. مثلا، عساف ياجوري يعمل مدير فندق في ناتانيا، ولما زار بعض فنادق مصر (شبرد، سميراميس، مينا هاوس، إلخ)، قال هذه الفنادق لا تقارن بفنادق إسرائيل ولكن تقارن بفنادق أوروبا!

4 – جعلنا، بعد ذلك، كل أصحاب مهنة يزورون المصانع والمؤسسات التي تماثل مهنهم. الأطباء يزورون المستشفيات ومعامل الأدوية، المهندسون يزورون مصانع الحديد والصلب وغيرها. وقالوا أنهم فوجئوا (على خلاف الدعاية الداخلية عندهم عن مصر)، بمدى هذا التقدم

5 – معظم الجنود ملوا الحروب، وفقدوا الثقة في قادتهم، فكل مرة تحدث فيها حرب يقولون لهم “هذه آخر الحروب، أو هذه هي الحرب التي ستنهي كل الحروب. ومع ذلك، فالواضح أنهم سيعيشون في حرب ما دامت إسرائيل تحتل أرضاً عربية

6 – الشبان تحت سن الثلاثين يحقدون على الشباب الأوروبي لتمتعه بالحياة والرقص والحب. وقال أحدهم: عندما أزور أوروبا أجد كل شاب مع فتاته، ويستمع إلى الموسيقى في كل مكان. أما أنا فأضع الراديو الترانزستور على أذني، لكي أسمع دائماً أنباء اشتباكات الحدود وتوقعات الحرب المقبلة

7 – فقدوا الثقة في معظم أحزابهم السياسية

8 – كلهم يشتكون من الغلاء في إسرائيل، ويحسدون الترف غير العادي للحكام والرتب الكبيرة

9 -مل أبناء الكيبوتس الحياة الجافة التي يعيشونها هناك، ويحسدون أبناء المدينة

10 – قالوا عن المهاجرين إلى إسرائيل الذين من الخارج أنهم يطمعون في حياة اقتصادية أفضل من بلادهم (وليس لمعتقد ديني)، ولذلك لن ينزح يهود أميركا أبداً إلى إسرائيل!

س – الآن – في هذه المرحلة – تثار قضية تنويع مصادر السلاح، هل هذه ميزة أم عقبة؟

ج – تنويع السلاح له مزاياه وعيوبه. فالأمر الذي لا مناقشة فيه، هو أن الاعتماد على جهة واحدة للسلاح قد يحتمل في وقت ما أن يكون قيداً علينا. إلا أنه لا شك أيضاً أن في توحيد السلاح مزايا عديدة مثل: استيعاب أفضل – إعداد كوادر فنية بطريقة أسهل – إمداد وصيانة وإصلاح أيسر

أما تنويع السلاح فيعطي حرية حركة أفضل، ويجعلنا ننفتح أكثر على الاتجاهات المختلفة للأسلحة المتقدمة، مما يعطينا فرصة أكبر وخبرة أعمق في إرساء قاعدة صناعية حربية، كما يمكن تكامل هذه الأسلحة المختلفة بأن تغطي مزايا أسلحة معينة أوجه قصور في أسلحة أخرى

وفي مصر، على سبيل المثال، قبل معركة أكتوبر قد انفتحنا فعلا في اتجاهات مختلفة، ولكن في المعدات التكميلية المتطورة التي تزيد من كفاءة الأسلحة الموجودة الأساسية

وفي ظروفنا وإمكانياتنا، كان سلاحنا سوفياتي الصنع، ولنا مدة طويلة نستخدمه، وكان سنداً لنا، ولو أننا قمنا بتكميل بعض معدات متطورة تكميلية من الغرب، إلا أن السلاح الرئيسي هو السلاح السوفياتي. ولنا أن نشكر الاتحاد السوڤيتي الذي عاوننا سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وكذلك على جودة سلاحه، كما نشكر الرجال المصريين الذين حاربوا به .

 س – وإلى أين وصلت إقامة الصناعات الحربية العربية؟ سيتم الحذف

ج – من المسلم به أن الأمة العربية تمتلك من الإمكانات المادية والبشرية والعلمية ما لو أمكن تجميعه لتمكنت الدول العربية من كسر الاحتكارات العالمية التي تسيطر على إنتاج وتوزيع الأسلحة والمعدات الحربية في العالم، ولاستطاعت الأمة العربية أن تحقق قدراً كبيراً من الاكتفاء الذاتي الذي يمكنها من الدفاع عن نفسها وعن مقدساتها.

ولقد خطت الدول العربية خطوات على هذا الطريق، فقد أجمعت على أهمية إنشاء قاعدة صناعية عربية للصناعات الحربية، وأجمعت على المساهمة في تكاليف إقامة هذه القاعدة، وكلفت اللجان المتخصصة بإجراء دراسة تفصيلية للمشروعات التي ستبدأ بها. ونأمل أن نرى قريباً طائرة عربية، ودبابة عربية، وسفينة عربية، تحمي أجواء وأراضي وشواطئ العالم العربي. وكلي أمل أن يقتنع الجميع بأهمية سرعة تحقيق هدف إقامة قاعدة للصناعة الحربية العربية إزاء الإيقاع السريع لتطور العالم

كان تقدير خبراء الاستراتيجية بأن مصر لا مجتمعين ولا منفردين لن يقوما بحرب وكان اعتمادهم في ذلك على المخابرات الإسرائيلية والمخابرات الأمريكية.. وكان تقديرهم أن أي حشد عربي سيقضى عليه وسيتم تدميره في الوقت المناسب عن طريق التصوير الجوي والأقمار الصناعية

لقد بنى العدو تفوقه في القوات الجوية وفي المدرعات على أساس عدم استطاعة مصر ولا سورية التفوق عليه في هذا المجال

بالنسبة لعبور المانع المائي وخط بارليف كان صعباً جداً لوجود 30 نقطة قويه ثابتة على طول الجبهة في الضفة الشرقية. ولقد كنا ندرس هذه الصعوبات منذ 7 سنوات وفي الجبهة الشمالية قام العدو بحفر خنادق عميقة ضد الدبابات في أرض صخرية.. وكان تقدير العدو أنه بتفوقه في الدبابات يمكنه أن يقضي بها على أي قوة تقتحم خط بارليف.. ليس هذا فقط بل كان فيه كباري ومعابر لدباباتنا وكل هذه الأشياء كانت في تفكير العدو.. لتوضح أن حربنا كانت فريدة في نوعها ولن تتكرر بعد ذلك

لا أنكر أن العدو كان متفوقاً في مجال الإليكترونيات وكانت هذه مشكلة تواجهنا. وكانت معنويات القوات المسلحة الإسرائيلية عالية جداً خاصة بعد هزيمة 67 احتاج ذلك إلى مجهود كبير لرفع معنويات قواتنا.. وانقلب الحال تماماً بعد الحرب وأصبحت الآن معنويات الجندي المصري مختلفة تماماً عنه قبل ذلك

كان هذا التقدير من ناحية التحليل العلمي في نظر خبراء الاستراتيجية على صواب أما من الناحية النفسية ودراسة الشخصية المصرية وطبيعة المقاتل المصري فكان تقديراً خاطئاً لأن هذه الأشياء لم تكن في حساباتهم.

بعد ذلك بدأنا والزملاء القادة عمل تقدير موقف للحرب لأن قرار الرئيس السادات كان قراراً نهائياً لا رجعة فيه التمهيد السياسي كان كاملاً رغم أننا الذين بدأنا بالحرب ومن هنا بدأنا نعرف كيف ندخل المعركة.. كانت هناك صعوبات.. درسنا جميع الاعتبارات وجميع الاحتمالات وبدأنا بأسلوب علمي وتفكير منطقي سليم تفكير متحرر متطور. بدأنا بنقط الضعف ونقط القوة في العدو كان أول مبدأ من مبادئ الحرب هو عنصر المفاجأة سواء كانت استراتيجية أو تكتيكية أو تعبوية برغم أن المخابرات الإسرائيلية قوية جداً وفي الواقع فقد كانت المخابرات العسكرية المصرية على المستوى المطلوب وكانت بارعة وناجحة حتى أثناء المعركة.

والمقصود بالمفاجأة الاستراتيجية هي كيف نحمي نية الهجوم واتجاهاته وفي المفاجأة التعبوية كنا ناجحين جداً فيها وللتدليل على ذلك فقد سألت مسؤولاً أمريكيا كبيراً متى علمتم في واشنطن بالهجوم على إسرائيل فكان رده علمنا الساعة الثانية ظهر يوم 6 أكتوبر حتى إسرائيل نفسها تقول أنها علمت صباح 6 أكتوبر والحقيقة هذا الشيء فخر كبير لنا.. فقد تحققت المفاجأة تحقيقاً كاملاً لأن المفاجأة هي نصف النجاح في المعركة. إن الكلام عن المفاجأة يستحق كتاباً.

في الواقع عندما كنا نخطط للمفاجأة كنا نخطط للهجوم في توقيت واحد لكي نخفي نوايانا.. والحقيقة لقد اشتركت في تنفيذ خطة المفاجأة مع القوات المسلحة بجهد وبتصرف وبذكاء وبعلم وزارتي الخارجية والإعلام.

هناك مبدأ من مبادئ الاستراتيجية وهو مبدأ اختيار اتجاه الهجوم والضربة وحشد القوة ويقوم المبدأ على تركيز كل الجهد على نقطة أو قطاع صغير على خط المواجهة مع العدو. وكان هدفنا التمويه على العدو حتى لا يعرف اتجاه الضربة الرئيسية إلا بعد العبور مما أدى إلى تشتيت جهده الجوي وانتشار قواته على طول الجبهة. في الضربة الرئيسية التي اشتركت 200 طيارة من مصر، 100 من سورية في الضربة الرئيسية وكانت فوق الهدف المحدد في الساعة الثانية وخمس دقائق تماماً على الجبهتين.

حشدنا أكبر كمية من المدفعية 2000 مدفع في مصر، 1000 مدفع في سورية، وكانوا بيضربوا في وقت واحد.. كان تقديرنا خلال التمهيد الأولي للمدفعية وبالتحديد في الساعة الثانية والثلث يوم 6 أكتوبر أن خسائر العدو وصلت إلى 3000 قتيل غير الجرحى.

وأذكر أن الفريق ذكري قائد البحرية طلبني خلال الحرب ليلاً وقال إن قواتنا البحرية في البحر معرضة للهجوم الجوي وسألت الفريق حسني مبارك قائد القوات الجوية عن الموقف فقال إن الطيارين قاموا حتى الآن بست طلعات ورغم ذلك فهم على استعداد أن يقوموا بطلعة سابعة للدفاع عن القوات البحرية كل هذا يوضح أن المعركة دارت بشكل يدعو إلى الإعجاب.

 أذكر أيضاً أننا قمنا بعملية لتطوير الهجوم من أجل التخفيف عن سورية. كان فيه قوات جوية لنا اشتركت مع سورية ولكي أكون صريحاً أكثر فلا أذيع سراً إذا قلت أنه بعد وقف إطلاق النار حدث اختلاف في وجهات النظر بيننا وبين سورية بسبب قبولنا وقف إطلاق النار وتفسيرنا لذلك وقتها كان سوء ظن.

هناك مبدأ آخر هو السيطرة على الموقف في الحقيقة لم أفقد ولو للحظة واحدة السيطرة على القوات فقد كنت أتصل بجميع القادة في الجبهة. فلم تمر دقيقة واحدة دون الاتصال.

بالنسبة للاحتياطيات.. كان فيه احتياطي عندنا أثناء وجود الثغرة.. كان فيه فرقة مدرعة كاملة في الغرب بجانب 4 فرق أخرى حول الثغرة.

 وبالنسبة للإمداد والتموين كان عندنا تموين كامل من البترول والذخيرة والتعيينات تكفي ثلاثة شهور ولم يحدث أي خلل.

وبالنسبة لتغطية الأهداف الحيوية في عمق مصر فقد قام الدفاع الجوي بدوره كاملاً. وفي السنة الأخيرة قبل الهجوم مباشرة فإن القوات المسلحة لم يهدأ لها بال من حيث التدريب.

الواقع أن حرب أكتوبر قلبت العالم كله على المستوى السياسي والعسكري والاقتصادي.. العالم يدرس الآن نتائج الحرب ونحن غائبون، هناك دروس جديدة استفاد العالم منها

إن الدفاع يمكن اختراقه مهما كان حصيناً والدليل على ذلك مانع قناة السويس وخط بارليف

إن القوات الجوية لم تعد عامل الحسم في أي معركة والدليل أنه تم تحييدها تماماً في المعركة

وضوح أهمية المشاة، بعد تدمير دبابات العدو بالصواريخ.. هناك دول أوقفت إنتاج الدبابات لحين الاستقرار على رأي نهائي في هذا الشأن

أدركت إسرائيل أهمية المدفعية فقد ركزت مؤخراً على المدفعية في تنظيم قواتها وهذا يعد تطوراً من التطورات التي حدثت في إسرائيل

هناك مناقشات جارية في جميع المعاهد الاستراتيجية من حيث الاهتمام بالكم أو الكيف في تسليح الجيوش

 ودارت مناقشات واسعة للرد على كل التساؤلات

– سؤال: عن الموقف العسكري الحالي وما هي احتمالاته المستقبلة ومدى استعداد قواتنا لخوض حرب جديدة خاصة وأنه لم يتم استيعاضنا لبعض الأسلحة

– المشير: بتحليلنا للموقف العسكري اليوم فإن الحرب لم تنته المعركة التي تمت جزء من المهمة الأساسية، لم يملكنا زهو ولا غرور رغم التضحيات التي قدمتها قواتنا

فمنذ وقف إطلاق النار بدأنا نستفيد من الدروس المستفادة من المعركة، وبدأنا في تنظيم قواتنا وصيانة معداتها بدأنا في التخطيط للمرحلة المقبلة على أساس أنه لو اعتدى علينا ما هو الدرس الذي سنلقنه للعدو.. وتجهيز مسرح العمليات مستمر.. كما أن التدريب مستمر ليلاً ونهاراً في الجبهة كما لو أن المعركة ستقوم باكراً.

أستطيع أن أطمئنكم أن القوات المسلحة بخير.. وهناك احتمالان للموقف احتمال اعتداء إسرائيل علينا حتى تدخل مؤتمر جنيف من مركز القوة لكننا حذرون ولن نفاجأ، الاحتمال الثاني قد تصدر لنا الأوامر بأن نستأنف القتال إذا لم تنجح الجهود السياسية.

أما بالنسبة لعدم استيعاض بعض الأسلحة.. حقيقي هناك أنواع من الأسلحة لم تستعيض ولكن هناك أسلحة كافية والعرض العسكري في 5 يونيه هذا العام يؤكد ذلك والعمل لاستعواض أنواع معينة من الأسلحة جار دراسة ما تأخذه إسرائيل الاستيعاض يتوقف على ظروف معينة. والسلاح يمكن الحصول عليه من أي مكان كما قال السيد الرئيس.

– سؤال: حول التصنيع الحربي وتطورات الخطة التي وضعت في هذا الصدد؟

 – المشير: في الواقع لقد قامت المصانع الحربية بدور كبير جداً أثناء الحرب.. أمدت قواتنا بالذخيرة الكافية أننا نسير الآن في طريق تطوير تصنيع الأسلحة بجانب اشتراكنا مع الدول العربية في التصنيع العسكري

أننا من داخل القوات المسلحة وفي الدفاع الجوي مثلاً نضع تعديلات على الأسلحة القديمة ونطورها لتحل محل الأسلحة الجديدة. نشتري الإلكترونيات من الدول الغربية وقبل المعركة وحتى أثناءها كانت تصلنا أجهزة الإعاقة الإلكترونية والإنارة الليلية والإشارة وخلافها.

– سؤال: عن الخسائر الحقيقية للعدو هل هي 18 ألف قتيل و 29 ألف جريح وما هو الرقم الصحيح؟

– المشير: إسرائيل تقول أن خسائرها 18 ألف قتيل وجريح وتقديراتنا 10 آلاف قتيل، 20 ألف جريح

وقد قرأت مؤخراً في أحد الكتب أن السفير الإسرائيلي في واشنطن قال لكيسنجر بعد 3 أيام من المعركة أن خسائر إسرائيل 75 فانتوم، 1000 قتيل يوميا

الفريق محمد علي فهمي قائد قوات الدفاع الجوي.. أشار إلى خسائر إسرائيل في القوات الجوية وقال أنه طبقاً للروايات الغربية فإن خسائرها تتراوح ما بين 180، 200 طيارة وطبقاً للتقديرات العربية فهي ما بين 200، 280 طيارة. والمهم ليست الأرقام ولكن الشيء الذي يجب معرفته هو أنه يكفينا أنه تم تحييد القوات الجوية الإسرائيلية.

– سؤال: عن المسؤولين عن هزيمة 67؟

– المشير: كان هناك خطأ في عام 67 وقعنا فيه، أمر الانسحاب صدر مبكراً وسريعاً لقوات كبيرة كانت في ظروف كان من الممكن أن تستمر ولكن مع تفوق العدو الجوي على طرق محددة في سيناء كانت عليها قواتنا.. المهم الآن أننا في 6 أكتوبر عوضنا خطأ 67 وقد وقع العدو نفسه في نفس الخطأ

– سؤال ما مدى فعالية تزويد أمريكا لإسرائيل بالسلاح وما تأثيره على موقفنا العسكري؟

– المشير: أمريكا زودت إسرائيل وعوضتها ولكنها تعوض إسرائيل بحساب ولكننا لن نسكت على هذا وأننا لا يمكن أن نعطيها الفرصة لتتمكن منها، المهم أنه جار العمل لاستكمال المهام المطلوبة من القوات المسلحة.

– سؤال: عن شكل العمليات المقبلة إذا دخلنا حرباً أخرى؟

– المشير: ستكون هذه العمليات بشكل آخر وبمفاجأة أخرى وبتكتيك آخر وبتخطيط آخر كله متطور الخطة السابقة تشرف مصر والخطة الجديدة ستشرف مصر لأن الاثنتين وضعتا بأيد مصرية مائة في المائة

– سؤال: عن الثغرة وهل كانت محاولة العبور للضفة الغربية أول محاولة أم سبقتها محاولات أخرى؟

– اللواء سعد مأمون مساعد وزير الحربية: الواقع أنه في تخطيط القوات المسلحة لم يفتها مطلقاً احتمال عبور العدو للغرب وكان أول تقدير أنه من المحتمل قيام العدو بضربة إجهاض بما فيها عبور قواته فقد ركز العدو جهده حول الجيش الثاني فقد ركز من يوم 6 أكتوبر حتى يوم 13 أكتوبر بـ 26 هجوماً مضاداً ضد الجيش الثاني منها هجمات مضادة بنسبة 100 إلى 150 دبابة.

ومن تحليلي للهجمات على الجيش الثاني كانت أول هجمة مضادة شمال القنطرة وكان هدفها الوصول إلى الغرب لضرب بورسعيد.. كان الاتجاه التعبوي الثاني في اتجاه الفردان لقطع إمداد الجيش الثاني شمالاً وجنوباً من شمال ترعة الإسماعيلية أي جنوب بورسعيد، ثم قام بهجمات مضادة أخرى في اتجاه سرابيوم في اتجاه طوسون كانت تهدف إلى الوصول إلى المعابر الرئيسية لقواتنا على القناة.

لقد حاول العدو أمام 5 فرق على امتداد 175 كم تركيز جميع جهوده في منطقة الدفرسوار ولكن بعد قتال شرس لمدة 7 أيام.. أنشأ رأس كوبري لا يزيد حجمه عن حجم رأس شاطئ من رؤوس شواطئ في قطاعي الجيشين الثاني والثالث.. انتهز العدو الفرصة لقطع طرق إمداد فرقتين كان العدو محاطاً بخمس فرق منها، فرقتان مدرعتان وثلاث فرق ميكانيكية علاوة على احتياطي القيادة العامة، وبمقارنة القوات فقد كانت في صالحنا إلى الحد الذي أفزع العدو كانت النسبة 3 : 1 بالنسبة للأفراد، بالنسبة للمدرعات 6 : 1 لقد حدثت ضد العدو حرب فعلية في الثغرة فقد وقعت 439 عملية عسكرية من 13 أكتوبر حتى 18 يناير يوم توقيع اتفاقية الفصل بين القوات.

وكانت خسائر العدو طبقاً لبياناته 11 طائرة، 46 دبابة، 36 بلدوزر ومعدة هندسية، إغراق زورق بحري، إسكات بطاريات.

– سؤال: هل هناك أسلحة ذرية لدى إسرائيل وهل هناك احتمال لاستعمالها؟

– المشير: هناك معلومات أن إسرائيل تحاول إنتاج أسلحة لاستعمالها، وطبقاً للمعلومات التي تصل إلينا أنه خلال سنة أو سنتين تستطيع إسرائيل صنع قنبلتين أو ثلاث بالمقياس العادي 25 كيلوطن.. ولكن السؤال هل سيسمح العالم باستعمال السلاح الذري لا أعرف كل ذلك يتوقف على الموازين الدولية. ولكن المهم أنه حتى الآن لا توجد لدى إسرائيل أي قنبلة جاهزة للاستعمال

– سؤال: عن سبب عدم نشر بطولات قواتنا في الحرب بالكامل حتى تأخذ حقها الكامل من الدراسة

 – العميد نبيل شكري قائد قوات الصاعقة

الحقيقة أن حرب أكتوبر مليئة بالبطولات التي صنعت انتصارنا. وإن مقاتل الصاعقة لعب دوراً هاماً في مقدمة هذه البطولات خلف أو أمام العدو لأنه يقاتل في ظروف صعبة وبتتبعنا للعمليات على المحور الشمالي شرق نقطة بورفؤاد كان لدينا قوة هناك استمرت تقاتل يومين على شريط ضيق عرضه 150 متر ومكشوف. وكان هدف القوة أن تتعاون مع القوة البرية التي تتقدم من بورفؤاد للاستيلاء عليها ولظروف حدثت أثناء القتال ولكن وحدة الصاعقة ظلت في هذا المكان تقاتل ودمرت 8 دبابات كانت متجهة إلى النقطة وفشل العدو وتكبد خسائر فادحة من وحدة الصاعقة التي كان يقودها ملازم أول.

وكان الأستاذ عبد المنعم الصاوي قد بدأ الندوة بكلمة حيا فيها باسم كل الكتاب والصحفيين المصريين بل وباسم الكتاب والصحفيين العرب المؤمنين بقضية الإنسان أستطيع اليوم أن أحيي قائدنا الأعلى الرئيس السادات تقديراً لإصداره قرار الحرب التاريخي.. وتحية خالصة إلى قائد الأبطال المشير إسماعيل والصفوة الشامخة من القادة الذين عبروا بمصر إلى انتصارات ستتلوها انتصارات أخرى متوالية حتى تستعيد مصر مكانتها الحقيقية خفاقة رافعة صواريها مرفوعة الجباة بين الامم.

لقد كان الصحفيون منذ إطلاق الشرارة كتيبة واحدة وأصدروا جريدة يومية من نقابتهم كانت موجهة إلى المقاتل في الميدان الذي عبر أكبر مانع مائي في التاريخ.. سجلنا ما كنا نشعر به في صحيفة يومية.. وباسم كل الصحفيين أهدي هذه الصحيفة إلى المشير إسماعيل لتكون دليلاً على أن الصحفيين المصريين سيكونون أبداً درع القوات المسلحة من أجل مصر وتاريخ مصر

بداية المفاوضات

قرر السادات تعيين اللواء عبد الغني الجمسي (رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة) ممثلا لمصر في مفاوضات الكيلو 101، وقد أوضح الجمسي أنه لا يرغب في تنفيذ هذه المهمة حيث أنه أمضى حياته العسكرية كلها في حرب ضد إسرائيل، إلا أن كان رأي السادات أن الجمسي بحكم عمله رئيسا لهيئة العمليات يلم بأوضاع القوات المصرية وقوات العدو في الجبهة وأنه أنسب من يمثل مصر في هذه المباحثات

لفهم أبعاد مفاوضات الكيلو ‏101‏ وموضوع الإعداد لمؤتمر السلام في جنيف أجد أن من الهام التطرق إلي علاقة السيد محمد حافظ إسماعيل كمستشار للأمن القومي مع السيد إسماعيل فهمي وزير الخارجية الجديد الصاعد‏.

في يوم 13‏ نوفمبر الثلاثاء سعت 1800 ، تحدث أحمد ماهر ـ من واقع أحاديث له مع المستشار حافظ إسماعيل ـ عن تفاهم مصري‏/‏ أمريكي لم يفتني تسجيله سابقا في اليوميات عن فض اشتباك يأخذ إسرائيل إلي الشرق من القناة ويفتح الطريق أيضا إلي تسوية شاملة للنزاع بترابط محكوم بين المراحل‏,‏ خاصة أن كسنجر كان قد تحدث مع الرئيس السادات أيضا عن أهمية التوصية إلي تسوية فلسطينية تنهي النزاع‏…‏ وأنه تصور حسب اليوميات المسجلة سعت‏0032‏ من يوم الخميس‏51‏ نوفمبر‏…‏ وجود دولة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة يحدد العرب لها حدودها؟‏!‏ وقد دار هذا من خلال حديث للرئيس السادات مع وزير خارجية الأردن الذي كان الملك حسين قد أوفده إلي القاهرة في هذا اليوم‏.

وسارت محادثات الجمسي‏/‏ياريف واستمر الجدل بين الجانبين‏…‏ سواء بالنسبة لتفسير اتفاق النقاط الست‏…‏ أو مفهوم فض الاشتباك ونقل التسوية إلي مرحلة سياسية بدلا من التحركات العسكرية‏…‏ وطرح الجنرال ياريف يوم‏51‏ نوفمبر في الاجتماع الحادي عشر للجانبين‏…‏ أفكارا تقوم علي أهمية عدم ظهور غالب أو مغلوب نتيجة لهذه المحادثات وتحقيق فض الاشتباك مع أهمية تحرك مصر لإعادة السكان إلي مدن ومناطق القناة واستعادة الحياة المدنية إلي هذه المناطق‏…‏ وأن تنسحب إسرائيل إلي خطوط دفاعية قوية تردع العدوان وتغني عن بناء خطوط جديدة مؤقتة ومع تسكين قوات حفظ سلام دولية بين الجانبين مستقبلا مع تطورالانسحابات‏…‏ كما أكد ياريف أهمية وضرورة تأمين الاتصالات المباشرة بين مصر وإسرائيل‏…‏ وهي نقطة كانت إسرائيل تعطيها تركيزها واهتمامها المحوري‏.‏ واستفسر اللواء الجمسي‏…‏ هل يعني ذلك‏…‏ أن إسرائيل تعرض الانسحاب إلي الشرق من القناة لمسافة بعيدة مع عدم تأثر أو انسحاب القوات المصرية إلي الغرب‏…‏ فأجابه ياريف بالإيجاب‏.‏ وإن أضاف‏:‏ مع تخفيف للتواجد المصري علي طول القناة نحو الشرق وحتي تستطيع إسرائيل أن تثق في صدق النوايا المصرية وبالتالي التحرك سويا للمزيد من التسويات والانسحابات في فترة تالية‏.‏ وتساءلت من جانبي في اليوميات المسجلة سعت 2400 ‏ من الجمعة ‏16 نوفمبر‏.

هل نقبل؟‏.‏ وهل نرضي بستارة من القوات‏…‏ أشك‏.‏ وأضفت لعلنا نقبل بفرقة ونصف للتواجد بالشرق‏…‏ وسوف تكشف الأيام التالية حقيقة مواقف الطرفين ونواياهما‏.‏ إلا أن الأمر الهام الذي ينبغي أن أوضحه بشأن هذه النقطة‏…‏ أن القوات المسلحة المصرية كانت تتواجد وبشكل متعاظم وبحشد رئيسي غير مسبوق حول الجيب الإسرائيلي‏…‏ كما كانت دائمة الاستفزاز للإسرائيليين والتعرض لهم‏…‏ وكان الجانب الإسرائيلي يخشي احتمالات عمل مصري مفاجئ‏.‏ إلي الحد أنه أقام مجموعة تحصينات وخندقا واسعا عميقا مضادا للدبابات حول كل الجيب لتقييد مسارات ومحاور أي هجوم مصري محتمل ضده‏.‏

لقد كشف الانسحاب الإسرائيلي من الجيب بعد توقيع اتفاق فض الاشتباك في أسوان في ‏12‏ يناير‏ عن وجود حجم ضخم للغاية أيضا للجانب الإسرائيلي داخل الجيب‏.‏ وبما يؤشر إلي أنه وإذا ما كان الجانب المصري قد قام بالهجوم لتصفية هذا الجيب لكانت قد دارت معركة هائلة ربما تجاوزت كثيرا ما سبقها من صدام في حرب أكتوبر‏…‏ خاصة أن مساحة الأرض كانت ضيقة ومحصورة من ناحية‏.‏ وبها حجم هائل من القوات من ناحية ثانية‏.‏ لقد احصي الجانب المصري ومع عودة القوات الإسرائيلية إلي الشرق عبر الكباري ـ وكانت تحت نظر قواتنا وفي مدي ضربها‏…‏ أكثر من‏006‏ دبابة إسرائيلية عدا آلاف المركبات الأخري‏.‏ ورغم هذا الحديث من جانب ياريف إلا أن جلسات المفاوضات التالية‏.‏ كشفت مرة أخري عن تراجع الجانب الإسرائيلي‏,‏ ودار لغط بين الجانبين‏,‏ وبدأ الصبر المصري في النفاد واستشعرت ذلك علي مستوي أحاديث أعضاء المكتب أو حتي أحاديث العسكريين المصريين العاملين معنا‏…‏ وأخذت الآراء تتفاوت‏…‏ وقال البعض‏…‏ فلنتحرك عسكريا‏…‏ وقال البعض الآخر‏…‏ فلنأخذ إسرائيل إلي مؤتمر جنيف وهي موجودة بالغرب في الجيب حيث أن أوضاعها العسكرية الضاغطة وطول وامتداد خطوط مواصلاتها واتصالاتها تضعفها كثيرا وتفرض عليها المرونة السياسية في المؤتمر‏…‏

وقد رأي وزير الخارجية إسماعيل فهمي‏…‏ طبقا لليوميات أنه يجب حث كسنجر علي إنهاء مسألة الوجود الإسرائيلي في غرب القناة قبل بدء مؤتمر جنيف حتي تكون المفاوضات ذات توجه إيجابي واستراتيجي‏.‏ وزادت كثافة الرسائل بين فهمي و كسنجر‏…‏ وكنا مازلنا نحصل علي صورة كاملة من كل التقديرات والمعلومات التي ترفع للرئيس من أي جهة بالدولة‏.‏ وبالذات الدفاع‏/‏ الخارجية‏/‏ الداخلية‏/‏ والمخابرات العامة‏. واستمر كسنجر يضغط بالنسبة لمسألة المرورالبرىء فى باب المندب‏.‏

وقام الجانب الأمريكي بإبلاغنا بأن عددا من السفن المتجهة إلي إيلات ستمر في المضيق خلال أيام‏…‏ حول ‏20‏ نوفمبر أو ما بعدها‏…‏ وأجاب الجانب المصري عليكم أن تبلغونا مقدما باسم كل سفينة‏

وكان الهدف بطبيعة الأحوال محاولة الإبقاء علي شكل من أشكال السيطرة علي المضيق رغم أن القرار المصري عندئذ كان رفع الحصار بهدوء‏.‏ وعقد الاجتماع الثاني عشر بين الجمسي و ياريڤ يوم الثلاثاء ‏20 نوفمبر وسجلت لا اتفاق‏…‏ وقد عرض الإسرائيليون انسحابا إلي الشرق في مقابل تخفيف قوات الجيش الثالث وبقاء الجيش الثاني علي ما هو عليه‏…‏ ولم نوافق‏…‏ وكان الواضح أن الأطراف استمرت تناور علي بعضها البعض دون التزام بعد بموقف استراتيجي نهائي‏…‏ ووضح أن الجانب الإسرائيلي يسعي لإضاعة الوقت‏.‏

وجاءت رسالة من كسنجر إلي حافظ إسماعيل يوم الأربعاء‏ 12‏ نوفمبر‏…‏ يرد فيها علي ما وصله من وزير الخارجية المصرية حول موضوع فض الاشتباك قبل مؤتمر جنيف‏…‏ وتضمنت الرسالة الأمريكية‏…‏ أنه تقرر تأجيل مؤتمر جنيف لكي يعقد في‏ 17 ديسمبر‏. وفي الحقيقة فقد عقد بعد ذلك بعدة أيام في 21 ديسمبر‏.‏

وطلب كسنجر الحضور إلي مصر قادما من سوريا يوم‏ 14‏ ديسمبر‏…‏ مضيفا أن من الخطأ تصميم مصر علي تنفيذ أو مناقشة فض الاشتباك قبل مؤتمر جنيف‏.‏ لقد كشفت الرسالة عن محاولات كسنجر لتطويع مواقف الطرفين بشكل يحقق في النهاية المصالح الأمريكية‏. ومضي الجمسي وياريف في العمل لمحاولة الإسراع بخطوات فض الاشتباك‏.‏ وعقد اجتماعان بينهما يومي ‏23/22‏ نوفمبر‏. وكتبت في سعت 1700 من الجمعة 23‏ نوفمبر. اعتقد أن الجانبين علي وشك التوصل إلي اتفاق‏…‏ وإن إسرائيل تعرض الآن الانسحاب إلي الشرق وإلي مسافة‏21‏ كم من الحد الأمامي لقواتنا في سيناء مع وجود ستارة رمزية لقواتنا في الشرق‏…‏ وأجاب الجمسي بطرح مصري يقترح انسحاب إسرائيل إلي مسافة 60 كم من الحد الامامي لقواتنا‏…‏

ورفضت إسرائيل‏.‏ وكتبت باعتقادي بأننا سنتوصل إلي اتفاق مهم يؤمن الانسحاب الإسرائيلي إلي خط الممرات‏/‏ وبقاء قواتنا في مواقعها الحالية مع تخفيف واضح لها ونشر قوات حفظ سلام دولية بينهما‏…‏ وبدأ مؤتمر السلام‏.‏

وأخذ الجانبان المصري والإسرائيلي يتقاضيان‏…‏ وتصورت من كل ما قرأته عندئذ‏…‏ أننا فعلا نقترب من تفاهم‏…‏ وفجأة تجمد الموقف الإسرائيلي‏…‏ واضطرنا للذهاب إلي جنيف دون نتائج‏…‏ وعاد كسنجر إلي المنطقة مرة ثالثة في يناير‏.47‏ وكشفت الأوراق والكتب التي نشرت بعد ذلك في الأعوام التالية أن كسنجر تدخل مع الإسرائيليين وفرض إبطاء الإيقاع ولكي يقوم هو وليس الأطراف بصياغة الاتفاق‏…‏

اتفاق فض الاشتباك الأول الموقع في 21 يناير.‏ وأتذكر قيامنا ـ أي هيئة مكتب حافظ إسماعيل ـ بزيارة الجبهة في السويس وإلي الجيش الثالث يوم 25 يناير‏…‏ ورأيت صورة رائعة للجندية والروح النضالية للجيش المصري‏…‏ رأيت قوات رائعة‏…‏ ومعدات مصانة وأفرادا وجيشا لا ينسي‏…‏ ومرة أخري استشعرت كل ما هو رائع في الشخصية المصرية عندما تواجه التحدي‏…‏ كان حافظ إسماعيل يتواجد في أسوان‏…‏ ولكن علي هامش اجتماعات الرئيس السادات مع كسنجر‏…‏ وعاد بعد ذلك إلي القاهرة‏…‏ ومضي في طريق آخر لخدمة الوطن‏…‏

وكتب في كتابه أمن مصر القومي‏…‏ أنه‏:‏ وكما كان توقيع اتفاقية فض الاشتباك يمثل نهاية للوضع العسكري المعقد علي الجبهة المصرية‏…‏ ونقطة بدء مستقرة لعلاقات مصر الخارجية‏…‏ فقد أصبح أيضا بداية لمرحلة جديدة‏…‏ ولقد أحسست في هذا الإطار أن الوقت قد حان لكي أخطو خارج دائرة رئاسة الجمهورية بعد 29 شهرا من العمل مستشار للأمن القومي وذلك تنفيذا لما استقر عليه الأمر في لقاء مع الرئيس السادات‏.‏ وانتهي بالتالي عملنا مع حافظ إسماعيل في مستشارية الأمن القومي.‏

انتهاء الجانب العسكرى والاعداد الشاق للسلام

 

 

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!