شئون عسكريةعاجلمجتمع مدنى

د/يونان لبيب رزق :أطول معركة دبلوماسية لاسترداد طابا: كفاءة عقول رجال مصر تحطم أسطورة تفوق الذكاء الإسرائيلى

د/يونان لبيب رزق :أطول معركة دبلوماسية لاسترداد طابا: كفاءة عقول رجال مصر تحطم أسطورة تفوق الذكاء الإسرائيلى

د/يونان لبيب رزق :أطول معركة دبلوماسية لاسترداد طابا: كفاءة عقول رجال مصر تحطم أسطورة تفوق الذكاء الإسرائيلى
د/يونان لبيب رزق :أطول معركة دبلوماسية لاسترداد طابا: كفاءة عقول رجال مصر تحطم أسطورة تفوق الذكاء الإسرائيلى

كتب : وراء الاحداث

مثلما كانت حرب أكتوبر نهاية لأسطورة التفوق العسكرى الإسرائيلى، كانت معركة استرداد طابا تحطيمًا لأسطورة تفوق الذكاء الإسرائيلى، وأكدت تفوق الدبلوماسية المصرية، فقد سبق الفريق المصرى للدفاع عن طابا الإسرائيليين إلى كل مكان فى العالم به وثائق تتعلق بموضوع النزاع، واستطاعت الكفاءات القانونية والدبلوماسية والعسكرية المصرية أن تتغلب على كل المفاجآت والمناورات التى قام بها الفريق الآخر، وأن تفند كل حججه وأسانيده.

يونان لبيب رزق

والدكتور يونان لبيب رزق توافرت له كل المؤهلات لكى يكتب قصة معركة العصر هذه: فهو أستاذ للتاريخ الحديث، وله كتابات سابقة فى موضوع طابا، كما كان عضوا فى هيئة الدفاع المصرية فى هذه القضية، لذلك جاءت روايته للأحداث من الداخل، لأنه شارك فى صنعها، وبأسلوب عالم التاريخ المتمرس القادر على عرض الوقائع فى صورتها الشاملة وبأمانة.

والدكتور يونان لبيب رزق توافرت له كل المؤهلات لكى يكتب قصة معركة العصر هذه: فهو أستاذ للتاريخ الحديث، وله كتابات سابقة فى موضوع طابا، كما كان عضوا فى هيئة الدفاع المصرية فى هذه القضية، لذلك جاءت روايته للأحداث من الداخل، لأنه شارك فى صنعها، وبأسلوب عالم التاريخ المتمرس القادر على عرض الوقائع فى صورتها الشاملة وبأمانة.

غلاف الكتاب

 

وأوضح الدكتور يونان لبيب رزق فى كتاب «طابا قضية العصر» أهمية طابا بالنسبة للإسرائيليين، وأكد فيه أن قضية طابا ذات طابع (جيو- بولوتيكى) يستهدف أن يكون لإسرائيل وجود حقيقى فى البحر الأحمر، ولما كانت الأهداف الاستراتيجية تتسم بالثبات، فإن «توسيع الشرفة» الإسرائيلية المطلة على خليج العقبة سيبقى هدفاً ثابتاً من أهداف السياسات الإسرائيلية، الأمر الذى يجب أن يضعه المسؤولون المصريون عن إدارة الصراع مع إسرائيل فى حساباتهم طوال الوقت.

صحيح أن القضية ابنة لمعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية المعقودة فى مارس عام 1979 والمنبثقة عن الإطار الذى تم وضعه فى كامب ديفيد، والتى نصت على سحب إسرائيل بكامل قواتها من شبه جزيرة سيناء فى موعد غايته 25 أبريل 1982.. بدأ الخلاف بين الجانبين منذ وقت مبكر، فالمعلوم أن المادة الثانية من معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية المعقودة فى 26 مارس 1979 قد نصت على: «أن الحدود الدائمة بين مصر وإسرائيل هى الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب.. ويقر الطرفان بأن هذه الحدود مصونة لا تمس..».. أما عن تنفيذ النصوص التى نتج عن الخلاف حولها نشأة القضية عندما بدأ العمل فى تحديد مواقع العلامات من قبل لجنة مشتركة لتسهيل تنفيذ هذه المعاهدة فى أبريل 1981، أى بعد عامين من توقيع الاتفاقية، وكان مفهوما أن سبب هذا التأخير أن الانسحاب إلى «ما وراء الحدود الدولية» كان مفروضا أن يتم خلال المرحلة الثانية من مرحلتى الانسحاب الإسرائيلى، وهى المرحلة التى كان مفروضاً أن تنتهى قبل مضى ثلاث سنوات من توقيع الاتفاقية.

وأثناء تحديد العلامات، توقفت اللجنة لتحديد موضع العلامة التالية (91)، هى آخر علامة لخط الحدود بين مصر وفلسطين تحت الانتداب طبقا لاتفاقية 1906، وهذه العلامة تقع فوق هضبة شرق وادى طابا وتطل على خليج العقبة، وبدأ ترقيم علامات الحدود عام 1906 من رفح فى الشمال انتهاء برأس طابا فى الجنوب على خليج العقبة. ولكن تتالت المفاجآت. وكانت المفاجأة أن أعضاء اللجنة المصرية كانوا يعملون من خلال الوثائق والخرائط التى فى حوزتهم بمكان العلامة الأخيرة على سلسلة الجبال، غير أن الإسرائيليين أخذوا الفريق المصرى إلى أسفل فى الوادى ليروا معهم ما سموه بقايا العمود الأخير وعرف بعمود «باركر». أما التضليل فقد أعد له الإسرائيليون من خلال سيطرتهم الفعلية على المنطقة لعِقد ونصف من الزمان، والترويج لأن العلامات التى تم الاتفاق عليها فى 1906 تم تعديلها فى 1915 بواسطة توماس إدوارد لورانس الضابط البريطانى الذى كان له دور فى الثورات العربية على الدولة العثمانية، كما لم يكتفوا بهذا فقد قاموا بعدد من التغييرات فى معالمها، كان أخطرها إزالة أنف الجبل الذى كان يصل إلى مياه الخليج، وبناء طريق مكانه يربط بين إيلات وطابا.. المهم فى تلك الإزالة أنه كان يقع على هذا الأنف العلامة الأخيرة من علامات الحدود المصرية فيما قبل حرب يونيو.. أى قاموا بإزالة لمعالم العلامة 90 بعد أن تركتها فى موقعها لإيهام مصر بأنها العلامة 91.

الوفد المصرى خلال المفاوضات

وكان على الجانب المصرى أن يبحث عن هذه العلامة التى لم يعد لمكانها وجود.. وطالما أن القضية لم تكن مجرد خلاف بين الجماعات الفنيين، فقد كان مطلوبا أن يتدخل السياسيون، وهذا ما حدث. وأعلنت مصر فى مارس 1982 عن وجود خلاف مع الجانب الإسرائيلى حول بعض العلامات الحدودية، وفى مطار لارسينات اجتمع الجانبان، وكان الجانب المصرى يترأسه الفريق كمال حسن على وزير الخارجية ورئيس الجانب المصرى فى اللجنة العليا المشتركة بين مصر وإسرائيل لتنفيذ المعاهدة. على الجانب الآخر، هناك الجنرال شارون وزير الدفاع الإسرائيلى وأحد الصقور المعروفة على هذا الجانب.. ورأى رئيس الجانب المصرى أن هذه المناقشات غير مجدية، ومن شهادة الفريق كمال حسن أن ما حدث من الرغبة الإسرائيلية فى تحريك العلامة 91 إلى بطن الوادى عملٌ تبناه بالأساس الجنرال شارون؛ أى أن هذا الصقر العتيد كان هو الذى فجر القضية.. فقد اتفق الطرفان ودون أي مشكلة على 78 علامة وبقيت 13 محلا للخلاف، وأن الإسرائيليين قد قبلوا المواضع المصرية لكل العلامات باستثناء العلامة 91. وخاض الطرفان أطول معركة دبلوماسية، وهى المعركة التى انتهت بدخول المحكمة.

أثناء سرده لتفاصيل القضية، أكد دكتور يونان موقف إسرائيل التى رفضت اللجوء للتحكيم الدولى وأنها سعت لأن يكون حسم مصير الخلاف حول طابا من خلال التفاوض الهادف للتوفيق. الموقف الأمريكى من القضية قبل عقد مشارطة التحكيم فى سبتمبر 1986، كان الأمريكيون ميالين «للتوفيق» أكثر مما كانوا محبذين للتحكيم.

لكن الجهد المصرى نجح فى أن يقتصر السؤال على مشارطة التحكيم، فقد استمرت المفاوضات.. ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع، تم الاتفاق فى 11 سبتمبر 1986 على اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد فى جنيف بسويسرا، كما تقرر مواضع 14 علامة من علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب البريطانى لحل خلاف حدودى بشكل كامل ونهائى.. من هنا ووضع مخطط تعقب الوثائق الخاصة بالقضية المحفوظة فى دور الوثائق المتناثرة فى لندن، القاهرة، الخرطوم وإسطنبول، وآخر محطات الماراثون نيويورك، حيث مقر هيئة الأمم المتحدة ومحفوظاتها. وتنوعت هذه الأدلة التى قدمت للمحكمة من الجانبين وشملت (الوثائق التاريخية، الخرائط، المجسمات الطبيعية،الإحداثيات الشبكية، كتابات المعاصرين، الزيارات الميدانية إلى منطقة الخلاف، بقايا أعمدة الحدود، شهادات الشهود، وأخيراً أشرطة الفيديو)، ومن بين هذه الأدلة المادية احتلت «الوثيقة التاريخية» مكان الصدارة. والبحث عن الوثائق ذهب بعيداً فى أعماق الفترة السابقة عن 1922 ووصل الغوص إلى ثلاثينيات القرن التاسع عشر، كما تم تعقب الوثائق فى الفترة اللاحقة على عام 1948 ليصل إلى حرب يونيو عام 1967، وما ترتب عليها من احتلال إسرائيل لسيناء.

الفصل الأخير، ليسدل الستار على قضية طابا ويصل بنا دكتور يونان عبر صفحات كتابه إلى فصل بعنوان «حكمت المحكمة!» يسرد فيه ترقب هيئة الدفاع المصرى بعد مكابدة ومتاعب لن ينساها لسماع الحكم والانتصار، ففى 30 سبتمبر 1988 وفى قاعة مجلس مقاطعة جنيف، أعلن القاضى السويدى «جونار لاجرجرين»، رئيس هيئة التحكيم الدولى، حكمه التاريخى بأغلبية ٤ أصوات واعتراض صوت وحيد (القاضية الإسرائيلية)، وقد حكمت المحكمة الدولية بأحقية مصر فى طابا. وتقع حيثيات الحكم فى ٢٣٠ صفحة، فقد حكمت بالإجماع القبول بالمطلب المصرى للعامة 91، والحكم لمصر بمواضع العلامات الأربع «قررت المحكمة أن علامة الحدود 91 هى فى الوضع المقدم من جانب مصر والمعلم على الأرض حسبما هو مسجل فى المرفق لمشارطة التحكيم».

وبعد جولة جديدة من التفاوض مع إسرائيل إلى أن تحقق الانسحاب النهائى من الأراضى المصرية، ورفع العلم المصرى على طابا فى 19 مارس 1989. واعتُبر هذا اليوم «عيد تحرير طابا».

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!