عاجلمجتمع مدنى

ذكريات حرب أكتوبر المجيدة بقلـم الدكتور اللواء سمير فـــرج

حرب الاستنزاف.. فخر العسكرية المصرية

ذكريات حرب أكتوبر المجيدة بقلـم الدكتور اللواء سمير فـــرج

ذكريات حرب أكتوبر المجيدة بقلـم الدكتور اللواء سمير فـــرج
ذكريات حرب أكتوبر المجيدة بقلـم الدكتور اللواء سمير فـــرج

كتب : وراء الاحداث

تمر الأيام والسنوات، ونحتفل، اليوم، بمرور 49 عاماً على نصر حرب أكتوبر المجيدة، التي أعادت للقوات المسلحة المصرية كرامتها وعزتها بعد هزيمة 67.

وبعد كل تلك السنين، لازلت أذكر، جيداً، جميع الأحداث التي مررنا بها من الهزيمة إلى الاستنزاف، ثم النصر يوم السادس من أكتوبر 73، عندما كنت أحد الضباط المتواجدون في غرفة عمليات القوات المسلحة.

كان أسعد الأخبار التي تلقيناها، نجاح قواتنا الجوية في الضربة الأولى بعدد 220 طائرة، ضد الدفاعات الإسرائيلية في سيناء.

بعدها في حوالي الثالثة ظهراً، التقطت عناصر الاستطلاع اللاسلكي المصرية إشارة مفتوحة من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع الطيارين الإسرائيليين، غير مشفرة لضمان سرعة قراءتها، يأمر قواته بعدم الاقتراب من قناة السويس لمسافة 15 كم، وهو مدى حائط الصواريخ المصري المضاد للطائرات، وهو ما يعني أن أي طائرة إسرائيلية تقترب لهذه المسافة، سيتم تدميرها.

وقتها أيقنا أننا سننتصر، وسوف نعبر القناة، وندمر خط بارليف، لأن القوات الجوية الإسرائيلية لن تتدخل في مرحلة العبور، رغم ادعاءات أنها “اليد الطولي” لإسرائيل.

أما ثاني الأخبار الثاني، رغم كونه حزين، إلا أنه دل على عظمة الجندي المصري؛ فقبل بدء عبور موجات القوارب، وعددها 12 موجة، كانت عناصر الصاعقة البحرية، قد غطست في قناة السويس؛ لسد فتحات “النابالم”، حيث كان العدو الإسرائيلي قد وضع في كل نقطة من نقاط خط بارليف، حوالي 4 إلى 6 أنابيب نابالم، يتم ضخها في مياه القناة فور عبور قواتنا، فتتحول المياه إلى نار تحرق كل القوات التي تعبرها.

لذلك اندفعت قوات الصاعقة البحرية، حاملة عبوات لسد هذه الأنابيب، ففوجئت إحدى المجموعات، أن أحد نقاط خط بارليف به 6 مواسير بدلاً من 5، وهو ما لم يكن في الحسبان، إذ أن المجموعات المُكلفة بسد الفتحات، كانت تحمل إمكانات لسد خمسة، فقط، فقامت المجموعة بسد الفتحات الخمسة، أما السادسة، فقام أحد أفراد الصاعقة البحرية بسدها بجسمه، ورفض العودة مع باقي المجموعة.

ومع بدء عبور قواتنا لقناة السويس، تم إغلاق جميع الفتحات، بينما انفجرت تلك الفتحة، وحولت جسم هذا الشهيد العظيم إلى أشلاء، ولكنه نجح في منع النابالم من إشعال سطح مياه القناة، ونجحت قواتنا في العبور، ودمرت خط بارليف. هكذا كانت روح جنود مصر الأوفياء، الذين سيذكرهم التاريخ، دائماً، فلولاهم، لما كنا نحتفل الآن بهذا النصر العظيم.

ومع أجمل ذكريات النصر عام 73 لكن قبل تحقيق النصر العظيم يجب أن نتذكر ست سنوات من حرب الاستنزاف.. وهناك مقولة لدينا نحن العسكريين وهى «أن الحرب تعلم الحرب».. أى الجيوش التى لم تشترك فى أى حروب حديثة دون أن تكون لديها الخبرة العملية فى ميدان المعركة التى يمكن أن نتعلم منها الكثير، وهذا يفسر لماذا تطلب العديد من الدول الآن تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة مع القوات المصرية.

بل إن مراكز الدراسات الاستراتيجية أقرت أن القوات المسلحة المصرية الآن هى أكثر دولة فى العالم تجرى تدريبات عسكرية مشتركة مع دول أخرى، حيث تريد هذه الدول أن تستفيد بخبرة القوات المسلحة المصرية التى خاضت أربع حروب رئيسية فى الفترة الماضية فى الصراع العربى الإسرائيلى فى 56، حرب 67، وحرب الاستنزاف، وحرب 73 وحرب خامسة فى تحرير الكويت.

ولقد جاءت أهمية حرب الاستنزاف والتى بدأت بمعركة رأس العش يوم 1 يوليو عام 1967، عندما تقدمت المدرعات الإسرائيلية لاحتلال مدينة بورفؤاد وتصدت لها فصيلة من الصاعقة المصرية بقوة 30 مقاتلا فى منطقة رأس العش وأوقفت تقدم القوات الإسرائيلية بعد تكبدها خسائر جسيمة، وأصبحت معركة رأس العش رمزا للصمود المصرى بعد هزيمة 67.

ولقد بدأت مرحلة حرب الاستنزاف ببناء الدفاعات المصرية غرب قناة السويس بعد انسحاب الجيش المصرى من سيناء، حيث تركزت المرحلة الأولى فى حرب الاستنزاف فى بناء خطوط دفاعية غرب قناة السويس والتى سميت بالخطة الدفاعية 200 تم فيها تنظيم خطوط دفاعية كاملة لمنع العدو من اختراق قناة السويس والتقدم غربا.

وفى نفس الوقت بدأت القوات المصرية إعادة تسليح عناصرها بالأسلحة التى كانت تصلها من الاتحاد السوفيتى بدلا من الأسلحة التى فقدتها مصر فى سيناء فى حرب 67 وعلى سبيل المثال تم تحويل جميع فرق المشاة إلى مشاة ميكانيكى بتسليحها بعربات قتال مدرعة حديثة برمائية.. ولقد سميت هذه الفترة بمرحلة الصمود التى استغرقت المدة من يونيو 1967 إلى أغسطس 1968، كذلك تمت إعادة تنظيم الجيش المصرى بإنشاء قيادة الجيش الثانى والثالث وإنشاء قيادة قوات الدفاع الجوى، ثم جاءت المرحلة الثانية من حرب الاستنزاف التى أطلق عليها الدفاع النشط.

حيث تم فيها الاشتباك مع القوات الإسرائيلية خلال مرحلة بناء خط بارليف، وحققت المدفعية المصرية فى هذه الفترة خبرة كبيرة من أعمالها القتالية وخلال هذه الفترة استشهد الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، يوم 8 مارس عندما توجه بنفسه إلى الجبهة ليتابع ويرى نتائج معركة تدمير خط بارليف بنيران المدفعية المباشرة، وقرر أن يتقدم إلى الخط الأول ليرى عن قرب نتائج الاشتباكات فانهالت عليه نيران القوات الإسرائيلية وسقطت إحدى دانات المدفعية بجواره واستشهد متأثرا بالشظايا القاتلة.

ثم جاءت مرحلة جديدة من حرب الاستنزاف أطلق عليها مرحلة الردع، حيث تمكنت بعض القوات المصرية من عبور قناة السويس والقيام بعمليات إغارة كمائن وهذه المرحلة اكتسبت القوات المصرية ما يطلق عليه التطعيم للمعركة، وارتفعت الروح المعنوية للجيش المصرى وتخطى المقاتل المصرى حاجز الخوف.

ودارت فى هذه الفترة 22 معركة جوية اشتركت فيها 120 طائرة مقاتلة إسرائيلية فى مواجهة 110 مقاتلات مصرية وكانت خسائر المصريين 28 طائرة وخسائر العدو 14 طائرة، وكان ذلك بسبب أن معظم الطيارين المصريين حديثو الخبرة لكنهم اكتسبوا المهارة من هذه العمليات الجوية.

أما العمليات البرية فلقد كانت 44 عملية ما بين إغارة وكمين نفذت 5 أعمال فى عمق إسرائيل ونفذت إسرائيل 28 عملاً إيجابيا منها 16 عملاً من العمق المصرى، واستشهد من الجانب المصرى 16 ضابطا و150 رتبة أخرى، بينما خسرت إسرائيل 133 قتيلا و320 جريحا، طبقاً لما صرح به موشى ديان، ويمكن القول إنه فى مرحلة حرب الاستنزاف نجحت مصر فى تدمير المدمرة إيلات أمام شواطئ بورسعيد.

وعليها 100 فرد وطلبة الكلية الحربية الإسرائيلية فى أول عملية زوارق صواريخ فى التاريخ العسكرى، ويرقد حطام المدمرة الآن فى قاع البحر المتوسط أمام ساحل بورسعيد.. كذلك نجحت مصر فى إغراق الغواصة داكار التى حاولت مهاجمة ميناء الإسكندرية، كذلك نجحت قواتنا البحرية باستخدام الضفادع البشرية بالتعاون مع المخابرات العامة فى تدمير الحفار الإسرائيلى أمام دولة ساحل العاج قبل أن يصل إلى البحر الأحمر، حيث كانت إسرائيل تنوى استخدامه فى التنقيب عن البترول هناك، لذلك أمر الرئيس عبدالناصر بتدميره قبل الوصول إلى البحر الأحمر.

كما تمت الإغارة على ميناء إيلات الإسرائيلى بمعرفة الضفادع البشرية المصرية، كذلك نجحت القوات المصرية خلال فترة حرب الاستنزاف فى بناء حائط الصواريخ المصرى الذى كان أحد الأسباب الرئيسية فى نجاح عملية العبور واقتحام خط بارليف ولعل أسبوع تساقط طائرات الفانتوم الإسرائيلية فى حرب الاستنزاف كان أكبر ضربة لإسرائيل فى تاريخها العسكرى.

وخلال فترة حرب الاستنزاف تم تهجير مدن القناة بورسعيد والإسماعيلية والسويس لكى يعطى أفراد هذا الشعب المثل فى التضحية والقدوة الوطنية.. وخلال حرب الاستنزاف بدأت القوات المصرية فى التدريب على عمليات العبور واقتحام خط بارليف، مع استمرار وجود القوات العسكرية المدافعة على خط قناة السويس وبدأت القوات الجوية المصرية فى بناء دشم خرسانية للطائرات فى جميع القواعد العسكرية، كذلك تدريب أعداد كبيرة من الطيارين ليتضاعف العدد 3 مرات قبل البدء فى حرب أكتوبر 73.

أما على الجانب المصرى فإننا نقول بكل ثقة، خاصة أننى كنت واحداً من المشاركين فى هذه الفترة على الخط الأمامى فى منطقة جنوب البحيرات، إننا تعلمنا الكثير والكثير خلال فترة حرب الاستنزاف فى كل المجالات سواء المشاة أو المدرعات أو المدفعية وباقى عناصر القوات المسلحة فى العمليات الدفاعية وعمليات التطعيم للمعركة وجاءت مرحلة التخطيط لحرب أكتوبر 73 خلال فترة حرب الاستنزاف لكى تكمل تلك الصورة الرائعة للمقاتل المصرى فى الصمود أمام صلف الغرور الإسرائيلى، وتكوين وبناء الدفاعات المصرية.

ثم التحول لاستنزاف ذلك العدو الإسرائيلى، ثم التخطيط لإدارة حرب الشرف والكرامة، لذلك نجمل القول إن حرب الاستنزاف كانت هى البوتقة التى تعلم فيها الجيش المصرى فنون الحرب الحديثة، ومن خلالها نجح فى تحقيق النصر فى حرب أكتوبر المجيدة، وأنه لولا حرب الاستنزاف لما نجح الجيش المصرى فى تحقيق هذا النصر العظيم فى أكتوبر 73.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!