شمس السبكى تكتب : إحياء لغة البيان فى حمى أبنائها

بقلم : شمس السبكي

“قصة الحروف “
هَبْطّـتُ مِن رَحمِ مَنِ حَملَتّـنِي مِنَ الأَشهُرِ تِسعْ ، وَتَلَقَفّتّـنِي يَدا الدُنياَ ،التّْيِ كُنتُ أَحّسبُها سَهلةٌ بَـيْدَ أَنِّـي صُدِمّْـت فِيما بَعدْ بِأنّهَا السَهلُ المُمّتنع!
كَبِرتُ مَعَ الأيامِ وَهِّيَ تَعدو سَريعًا..
وَ َتَزاَحمتْ الأحّْـداثُ فِي دُنّْـيَايَ الصَغيِرةُ..
وَعَقّلِي لَمْ يَعدْ يَقوَ عَلَيْ إِسّتِيعابِ كَـمّ الأحداثِ المُنهَالةُ عَلِيهِّ وَكَـأَنّْهَا فِي سِباقٍ مَعَ الزّْمَانِ !ذَاكَ الذّيِ يَنبضُ بَينَ جَـانِبِّي لَـم يَعُد يَتحمل كمّ الحُزنُ بِدَاخِلهْ ..
وَ الخَيباتُ تَراكمتْ ، مُتشبثةً بِجِـدارِه ،
حتّي الدُنّيَا َبِسَوادِهَـا المُهلِك أَجّثَمتْ عَلِيهِّ !.
ثُمَّ مَاذا عَنِ عَـاتِقِي ؛ ذَاكَ الذِي تَحملَ الكثيرَ فَأكثرْ ،فَـقطْ لأنهُ يَنشُدُ البقاءَ مُتّمَاسكًا .
لِسانِي طَفقَ يُتمتمْ :
«كُـنتُ أَسيرُ وَحَدِي فِي طَريقِ دُنّيِايَ..صَافنةً فِي مَلكوتِ ربي ،أَسّْـئلّهُ الَـرحمةَ..
تَقّبلُ التَوبةِ..إِنَارةَ خَـلايا عَقّلِي لِتَتَقبلَ أَحرُفُـ كَلِمة
ْ« أَمّْـل »
وَعَلَـيْ حِينِ غْرةْ سَـقطّْتُ سَـهوًا فِي بُؤرةٍ عَمِـيقةٍ ، الظلامُ كَانَ يَلْفُـهَا مِن كُل حَدبٍ وَ صَوبٍ ،فَركتُ عَيَنايَ بِقوةٍ لَـعَلِي أَلمحُ شَذرةَ ضَوءٍ
وَلَو خَافتةْ ..
– دَعنِي أُطلعكَ عَليْ إحديَ حَنايا رَوحي،أَنَـا لا أَخّْشِـي الظَلامْ ، وَلَكنْ أَخَّشيْ أنّْ تَزّدادَ عَتمةُ قَلّبِي أكثر ! – .
بَدأَتْ عَينَايَ تَلتّقطُ شَذراتُ ضَوءٍ خَافتةٍ ،يَزداد وَميِضَها شيئًا فَـشَيئًا ،وَنَظرةْ مِنِّي شَملتْ جُدرانَ البُؤرةَ
لِأَجِدَ حُروفًا لَـم يَتَعرفَ عَلِيها عَقلِي فِي بَادئ الأمرِ ،وَلَكنهُ سُرعانَ مَا تَعرفَ عَليها ..
فَصَمتَ هُنيهة فَأَلّجمتهُ الصَـدمةَ !فَلُغةُ الضَادِ البَهيةِ قَـد تَمَّ نَقشُ أَحرُفِهَا بِعِنايةٍ فَائقةٍ عَلَيْ الجُدرانِ..بِـطَريقةٍ إِلّتمعَ لَها بُؤبُؤا عَيِنَايَ . لَـمْ أَسْتطعْ مَنعَ أَنَاملِي مِنَ أن تَستشعرَ رَونقَ تَلمُّسْ تِلكَ النُقوشُ الذهبيةُ الغَائرةُ عَلَيْ الجُدران .
لَـمْ أَشّعُر بِثَغريِ هَذا الذِي تَفتّحَ فِي إِنّبهارٍا بِهَذا البَريِق اللامعِ الذيِ خَطفَ أنفاسِي.أَنّفِي إِلّتَقطتْ عَبق مُسكرةً رائحتهُ ..عَبقْ قَطُّ لَمْ أَعهدهُ ،لَـمْ أَسّتَطعْ كَبحَ جِماحَ فُضولِي مِن تَتبُعِ مَصدره .
وحَانتْ مِنِي إِلّتفاتةْ لِأَجدَ أُنّثَي مَليحة المَعالمِ ، فِي رِداءٍ أَبيِضٍ خَلابٍ ..تَقاسيمُ وَجّهِهَا بَيضاء ، وَسُحقًا فَـالنُقوشَ تعلو مَلامحِ وَجهَها ،وَ لِسَانِي قاطعَ إِسترسالِي شَاهقًا :
” يَا إلهي”
شَعرتُ بِقَلبِي يَكادُ أنّْ يَنخلِعَ مِن مَكانُه ،فَـالمَوقفْ بِرُمّتهْ مْهيبْ..عَظيِمْ .
تَسْلَّل لِـأُذنِي صَوتٌ أُنثويْ دَغدغَ حَواسيِ: – أَملُكِي أنا..إهويِ حُروفِي..
خُطِّي خَبَايا نَفسكْ بِـنِقاطِ كَلِمَاتِ .
إِنفرجَ بؤبؤايَ فِي صَدمةٍ ،تَلقفتها هِي بِـإِبْتْسامةِ بَشوشةِ ،تَسللَ آثرَهَا فِي نَفسِي فَتَيبسَت خَلايَا جَسدِي .
شَفتاْهَا هَمْستْ :- أَنَا الَضادُ العَربيةُ،جِئتُ لِأُطْمّئِن قَلْبكِ أَنَّ نَجاتْكِ حَتمًا سَتَنْبثقُ مِن ثَنايا وُريقاتِكِ؛ التِي بَعدما تَفحصتها أكتشفتُ شَغفكِ بِكلماتِي..
فَـأحرُفِها..
فَـنِقاطِها .
صورٌ عِدةٌ تتداخلُ مع بَعضِها،وَ أَصواتُ عِدةْ مُتداَخلةْ تَطرقُ بَابَ أُذنِي بِقوةٍ ،شَهقتُ شَهقةً زَلّزلتْ كُيانِي وَرَحتُ ألْتَفتْ يَمنًة وَ يُسرةً ،لِأجدنِي فِي فِراشيْ .
وَنظرةً مُتفحصةً مِني لِلْجُدرانِ مَنحتْ الحقْ لِـلغروبِ بِـأنِّ يَسكُبْ مَاءه البَاردْ فَوقَ رَأسيِ لِأستفيقَ ، فَـ أنا أَحلُـمْ ! . لَكِنَّ دَعنِي أُخبرُكَ أنَّ حُلمِي جَميلْ.. ذُو رَونقٍ مُختلفٍ..
خَاصٍ هَذهِ المرةْ ..
غَيرَ شَكْلٍ .
ثَانيةُ أُوليْ فَـالثانيةَ كُنت قد قفزتُ مِن فراشي ،و بِقلمي وَ كُنتُ أَخطُّ بَينَ دَفتِي دَفترِي حُلمِي المهيبْ..
وَعـقلِي سَقطَ فِي بُوتقةِ غَرامِ العبثِ بِالأحرُفِ .
وَ لَكم هَويَ قَلبِي التَلاعُبْ بِكَلِماتِ الضادِ العَظيمةِ ،تِلكَ الأخيرةْ ذَاتَ الوقارِ الذِي يَتغنجُ أمامكَ بِـطَريقةٍ تَسلبُكَ لُبكَ ..إِنفرجتْ شَفتايَ المُكتنزتانِ تَكشفُ عَن بَياضِ أَسْنَانِي فِي ضْحكةٍ ،قَفزتْ مِن شَغافْ قَلبِي ،لم تزُرني مُنذ زمنٍ طويلٍ .
وَ لَمستُ إمْتِنانَ رَوحِي الحالمةِ لِحُلمِي،الرائعةِ أحداثُه ..أَمَّـا أَنا فَهَمستُ بِإمتنانِ صادقٍ :-
مُمّْـتنةً أنا لِماضٍ أليمٍ إِنبثقَ مِنهُ شَغفِي بِشئٍ فَريدٍ مِن نَوعِه .
وَيَديِ طَفقتْ تُسطرُ ذَاتَ صَدرِي بِكَلِماتِ الضَادِ الحَنونةِ ..وَإبتسامةُ صَبيةْ مُمتنةْ حَامتْ فَوقَ مَلامحِي ..
وَالنهايةُ مَفتوحةً أبوابِها ..
حيثُ يُعد حُلمي العجيب ذاكَ مُجرد البداية ! .